فصل: (تابع: اللواحق)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لسان العرب ***


‏[‏تابع‏:‏ اللواحق‏]‏

تفسير إِذْ وإِذا وإِذْنْ مُنَوَّنةً‏:‏ قال الليث‏:‏ تقول العرب إِذْ لم ا مضَى وإِذا لما يُسْتَقْبَل الوقتين من الزمان، قال‏:‏ وإِذا جواب

تأْكيد للشرط يُنوَّن في الاتصال ويسكن في الوقف، وقال غيره‏:‏ العرب تضع إِذ

للمستقبل وإِذا للماضي، قال الله عز وجل‏:‏ ولو تَرَى إِذْ فَزِعُوا؛ معناه

ولو تَرى إِذْ يَفْزَعُونَ يومَ القيامة، وقال الفراء‏:‏ إِنما جاز ذلك

لأَنه كالواجب إِذْ كان لا يُشَكُّ في مجيئه، والوجه فيه إِذا كما قال الله عز وجل‏:‏ إِذا السماءُ انْشَقَّتْ وإِذا الشمسُ كُوِّرَتْ؛ ويأْتي إِذا

بمعنى إِن الشَّرْط كقولك أُكْرِمُك إِذا أَكْرَمْتَني، معناه إِن أَكرمتني، وأَما إِذ الموصُولةُ بالأَوقات فإِن العرب تصلها في الكتابة بها في أَوْقات مَعْدُودة في حِينَئذ ويَومَئِذ ولَيْلَتَئِذ وغَداتَئِذ

وعَشِيَّتَئِذ وساعَتَئِذ وعامَئِذٍ، ولم يقولوا الآنَئِذٍ لأَن الآن أَقرب ما يكون

في الحال، فلما لم يتحوَّل هذا الاسمُ عن وقتِ الحالِ ولم يتباعدْ عن

ساعَتِك التي أَنت فيها لم يتمكن ولذلك نُصِبت في كل وجه، ولما أَرادوا أن يُباعِدوها ويُحوِّلوها من حال إِلى حال ولم تَنْقَدْ كقولك أَن تقولوا

الآنَئِذ، عكسوا ليُعْرَفَ بها وقتُ ما تَباعَدَ من الحال

فقالوا حينئذ، وقالوا الآن لساعَتِك في التقريب، وفي البعد حينئذ، ونُزِّل

بمنزلتها الساعةُ وساعَتَئذ وصار في حدهما اليوم ويومئذ، والحروفُ التي

وصفنا على ميزان ذلك مخصوصةٌ بتوقيت لم يُخَصّ به سائر أزمان الأَزمنة نحو

لَقِيته سَنةَ خَرَجَ زَيْدٌ، ورأَيتُه شَهْرَ تَقَدَّم الحَجَّاجُ؛ وكقوله‏:‏ في شَهْرَ يَصْطادُ الغُلامُ الدُّخَّلا

فمن نصب شهراً فإِنه يجعل الإِضافة إِلى هذا الكلام أَجمع كما قالوا

عَشِيَّةَ إِذْ تَقُولُ يُنَوِّلُوني

كما كانت في الأَصل حيث جَعَلْتَ تَقُولُ صِلةً أَخرجتها من حد الإِضافة

وصارت الإِضافة إِذ تقول جملة‏.‏ قال الفراء‏:‏ ومن العرب من يقول كان كذا وكذا

وهو إِذْ صَبِيٌّ أَي هُو إِذْ ذاك صبي؛ وقال أَبو ذؤيب‏:‏

نَهَيْتُك عن طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو

بِعافِيَةٍ، وأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ

قال‏:‏ وقد جاء أَوانَئِذٍ في كلام هذيل؛ وأَنشد‏:‏

دَلَفْتُ لها أَوانَئِذٍ بسَهْمٍ

نَحِيضٍ لم تُخَوِّنْه الشُّرُوجُ

قال ابن الأَنباري في إِذْ وإِذا‏:‏ إِنما جاز للماضي أَن يكون بمعنى

المستقبل إِذا وقع الماضي صِلَةً لِمُبْهَم غير مُؤَقت، فجَرى مَجْرى قوله‏:‏

إِنَّ الذين كَفَروا ويَصُدُّون عن سبيل الله؛ معناه إِنَّ الذين يكفرون

ويَصُدُّون عن سبيل الله، وكذلك قوله‏:‏ إِلا الذين تابوا مِنْ قَبْل أن تَقْدِرُوا عليهم؛ معناه إِلا الذين يتوبون، قال‏:‏ ويقال لا تَضْرِب إِلا

الذي ضَرَبَك إِذا سلمت عليه، فتَجِيء بإِذا لأَنَّ الذي غير مُوَقت، فلو

وَقَّته فقال اضْرِبْ هذا الذي ضَرَبَك إِذ سلَّمْتَ عليه، لم يجز إِذا

في هذا اللفظ لأَن توقيت الذي أَبطل أَن يكون الماضي في معنى المستقبل، وتقول العرب‏:‏ ما هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَه، فإِذا جاؤوا بإِذا قالوا

ما هَلَكَ إِذا عَرَفَ قَدْرَه، لأَن الفِعل حَدَثٌ عن منكور يراد به الجنس، كأَنَّ المتكلم يريد ما يَهْلِكُ كل امْرِئٍ إِذا عَرَف قَدْرَه ومتى

عَرَف قدره، ولو قال إذ عرف قدره لوجب توقيت الخبر عنه وأَن يقال ما هَلَك امْرُؤٌ إِذْ عرَف قدره، ولذلك يقال قد كنتُ صابراً إِذا ضَرَبْتَ وقد

كنتُ صابراً إِذ ضَربتَ، تَذهب بإِذا إِلى ترْدِيد الفعل، تُريد قد كنتُ

صابراً كلَّما ضَرَبْتَ، والذي يقول إِذْ ضَرَبْتَ يَذْهَبُ إِلى وقت

واحد وإِلى ضرب معلوم معروف؛ وقال غيره‏:‏ إِذا وَلِيَ فِعْلاً أَو اسماً ليس

فيه أَلف ولام إِن كان الفعل ماضياً أَو حرفاً متحركاً فالذال منها

ساكنة، فإِذا وَلِيَتِ اسماً بالأَلف واللام جُرَّت الذال كقولك‏:‏ إِذِ القوم

كانوا نازِلينَ بكاظِمةَ، وإِذِ الناس مَن عَزَّ بَزَّ، وأَما إِذا

فإِنها إِذا اتصلت باسم مُعرَّف بالأَلف واللام فإِن ذالها تُفتح إِذا كان

مستقبلاً كقول الله عزَّ وجل‏:‏ إِذا الشمسُ كُوِّرَتْ وإِذا النُّجوم

انْكَدَرَتْ، لأَنَّ معناها إِذا‏.‏ قال ابن الأَنباري‏:‏ إِذا السماء انشقَّت، بفتح

الذال، وما أَشبهها أَي تَنْشَقُّ، وكذلك ما أَشبهها، وإِذا انكسرت

الذال فمعناها إذ التي للماضي غير أَنَّ إِذْ تُوقَع مَوْقع إِذا وإِذا موقع

إِذْ‏.‏ قال الليث في قوله تعالى‏:‏ ولَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُون في غَمَراتِ الموت؛ معناه إِذا الظالمون لأَن هذا الأمر مُنْتَظَر لم يَقَع؛ قال أَوس في إِذا بمعنى إِذْ‏:‏

الحافِظُو الناسِ في تَحُوطَ إِذا

لم يُرْسِلُوا، تَحْتَ عائِذٍ، رُبَعا

أَي إِذْ لم يُرْسِلُوا؛ وقال على أَثره‏:‏

وهَبَّتِ الشامِلُ البَلِيلُ، وإِذْ

باتَ كَمِيعُ الفَتاةِ مُلْتَفِعا

وقال آخر‏:‏

ثم جَزاه اللهُ عَنَّا، إِذْ جَزى، جَنَّاتِ عَدْنٍ والعلالِيَّ العُلا

أَراد‏:‏ إِذا جَزَى‏.‏ وروى الفراء عن الكسائي أَنه قال‏:‏ إِذاً منوّنة إِذا

خَلت بالفعل الذي في أَوَّله أَحد حروف الاستقبال نصبته، تقول من ذلك‏:‏

إِذاً أَكْرِمَك، فإذا حُلْتَ بينها وبينه بحرف رَفَعْتَ ونصبت فقلت‏:‏

فإِذاً لا أُكْرِمُك ولا أُكْرِمَك، فمن رفع فبالحائل، ومن نصب فعلى تقدير

أَن يكون مُقدَّماً، كأَنك قلت فلا إِذاً أُكْرِمَك، وقد خلت بالفعل بلا

مانع‏.‏ قال أَبو العباس أَحمد بن يحيى‏:‏ وهكذا يجوز أَن يُقرأَ‏:‏ فإِذاً لا

يُؤتُون الناسَ نَقِيراً، بالرفع والنصب، قال‏:‏ وإِذا حُلت بينها وبين الفعل

باسم فارْفَعه، تقول إِذاً أَخُوك يُكْرِمُك، فإِن جعلت مكان الاسم

قسَماً نَصَبْتَ فقلت إِذاً والله تَنامَ، فإِن أَدخلت اللام على الفعل مع

القَسَم رفعت فقلت إِذاً واللهِ لَتَنْدَمُ، قال سيبويه‏:‏ حكى بعض أَصحاب

الخليل عنه أَنْ هي العامِلةُ في باب إِذاً، قال سيبويه‏:‏ والذي نذهب إِليه

ونحكيه عنه أَن إِذاً نَفسها الناصِبةُ، وذلك لأَن إِذاً لما يُسْتَقبل

لا غير في حال النصب، فجعلها بمنزلة أَنْ في العمل كما جُعلت لكنّ نظيرة

إِنَّ في العمل في الأَسماء، قال‏:‏ وكلا القولين حَسَنٌ جَمِيل‏.‏ وقال الزَّجاج‏:‏ العامل عندي النصب في سائر الأَفعال أَنْ، إِما أَن تقع ظاهرة أَو

مضمرة‏.‏ قال أَبو العباس‏:‏ يكتب كَذَى وكَذَى بالياء مثل زكى وخَسَى، وقال المبرد‏:‏ كذا وكذا يكتب بالأَلف لأَنه إِذا أُضيف قيل كذاك، فأُخبر ثعلب

بقوله فقال‏:‏ فتى يكتب بالياء ويضاف فيقال فتاك، والقراء أَجمعوا على تفخيم

ذا وهذه وذاك وذلك وكذا وكذلك، لم يميلوا شيئاً من ذلك، والله أَعلم‏.‏

ذيت وذيت‏:‏ التهذيب‏:‏ أَبو حاتم عن اللغة الكثيرة كان من الأَمر كَيْتَ

وكَيْتَ، بغير تنوين، وذَيْتَ وذَيْتَ، كذلك بالتخفيف، قال‏:‏ وقد نقل قوم

ذَيَّتَ وذَيَّتَ، فإِذا وقفوا قالوا ذَيَّهْ بالهاء‏.‏ وروى ابن نَجْدةَ عن

أَبي زيد قال‏:‏ العرب تقول قال فلان ذَيْتَ وذَيْتَ وعَمِلَ كَيْتَ

وكَيْتَ، لا يقال غيره‏.‏ وقال أَبو عبيد‏:‏ يقال كان من الأَمر ذَيْتَ وذَيْتَ

وذَيْتِ وذَيْتِ وذَيَّةَ وذَيَّةَ‏.‏ وروى ابن شميل عن يونس‏:‏ كان من الأَمر

ذَيَّةُ وذَيَّةُ، مشددة مرفوعة، والله أَعلم‏.‏

ظا‏:‏ قال ابن بري‏:‏ الظاء حرفٌ مُطْبَقٌ مُسْتَعْلٍ، وهو صوت التَّيْس و

نَبِيبُه، والله أَعلم‏.‏

فا‏:‏ الفاء‏:‏ حرف هجاء، وهو حرفٌ مَهْمُوسٌ، يكون أَصلاً وبَدلاً ولا يكون

زائداً مصوغاً في الكلام إِنما يُزاد في أَوَّله للعطف ونحو ذلك‏.‏

وفَيَّيْتُها‏:‏ عَمِلتها‏.‏ والفاء من حروف العطف ولها ثلاثة مواضع‏:‏ يُعطَف بها

وتَدلّ على الترتيب والتعقيب مع الإِشْراك، تقول ضَرَبْت زَيْداً

فعَمْراً، والموضِع الثاني أَن يكون ما قبلها علة لما بعدها ويجري على العطف

والتعقيب دون الإِشراك كقوله ضَرَبه فبكى وضَرَبه فأَوْجَعَه إِذا كان الضرب

عِلَّةَ البُكاء والوَجَع، والموضع الثالث هو الذي يكون للابتداء وذلك في جواب الشرط كقولك إِنْ تَزُرْني فأَنْتَ محسِن، يكون ما بعد الفاء

كلاماً مستأْنَفاً يعمل بعضه في بعض، لأَن قولك أَنتَ ابْتِداء ومُحْسِن خبره، وقد صارت الجملة جواباً بالفاء وكذلك القول إِذا أَجبت بها بعد الأَمْر

والنَّهْي والاستفهام والنَّفْي والتَّمَنِّي والعَرْض، إِلاَّ أَنك تنصب

ما بعد الفاء في هذه الأَشياء الستة بإضمار أَن، تقول زُرْني فأُحْسِنَ

إِليك، لم تجعل الزيارة علة للإِحسان، ولكن قلت ذلك مِن شأْني أَبداً

أَنْ أَفعل وأَن أُحْسِنَ إِليك على كل حال‏.‏ قال ابن بري عند قول الجوهري، تقول زُرْني فأُحْسِنَ اليك‏:‏ لم تجعل الزيارة علة للإِحسان؛ قال ابن بري‏:‏

تقول زُرْني فأُحْسِن إليك، فإِن رفعت أُحْسِنُ فقلت فأُحْسِنُ إِليك لم تجعل الزيارة علة للإِحسان‏.‏

كذا‏:‏ كذا‏:‏ اسم مبهم، تقول فعلت كذا، وقد يَجري مَجْرى كَمْ فَتَنْصِب ما بعده على التمييز، تقول عندي كذا وكذا درهماً لأَنه كالكناية، وقد ذكر

أَيضاً في المعتل، والله أَعلم‏.‏

كلا‏:‏ الجوهري‏:‏ كلاَّ كلمة زَجْر ورَدْع، ومعناها انْتَهِ لا تفعل كقوله

عز وجل‏:‏ أَيَطْمَعُ كلُّ امْرئٍ منهم أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعيم

كلاَّ؛ أَي لا يَطمَع في ذلك، وقد يكون بمعنى حقّاً كقوله تعالى‏:‏ كلاَّ لَئِن

لم يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصيةِ؛ قال ابن بري‏:‏ وقد تأْتي كلا بمعنى لا

كقول الجعدي‏:‏

فَقُلْنا لَهُمْ‏:‏ خَلُّوا النِّساءَ لأَهْلِها، فقالوا لنا‏:‏ كَلاَّ فقلنا لهم‏:‏ بَلَى

وقد تقدَّم أَكثر ذلك في المعتل‏.‏

لا‏:‏ الليث‏:‏ لا حَرْفٌ يُنْفَى به ويُجْحَد به، وقد تجيء زائدة مع اليمين

كقولك لا أُقْسِمُ بالله‏.‏ قال أَبو إِسحق في قول الله عز وجل‏:‏ لا

أُقْسِمُ بيومِ القيامة، وأَشْكالِها في القرآن‏:‏ لا اختلاف بين الناس أن معناه أُقْسِمُ بيوم القيامة، واختلفوا في تفسير لا فقال بعضهم لا لَغْوٌ، وإِن كانت في أَوَّل السُّورة، لأَن القرآن كله كالسورة الواحدة لأَنه متصل

بعضه ببعض؛ وقال الفرّاء‏:‏ لا ردٌّ لكلام تقدَّم كأَنه قيل ليس الأَمر

كما ذكرتم؛ قال الفراء‏:‏ وكان كثير من النحويين يقولون لا صِلةٌ، قال‏:‏ ولا

يبتدأُ بجحد ثم يجعل صلة يراد به الطرح، لأَنَّ هذا لو جاز لم يُعْرف خَبر

فيه جَحْد من خبر لا جَحْد فيه، ولكن القرآن العزيز نزل بالردّ على

الذين أَنْكَروا البَعْثَ والجنةَ والنار، فجاء الإِقْسامُ بالردّ عليهم في كثير من الكلام المُبْتدإ منه وغير المبتدإ كقولك في الكلام لا واللهِ لا

أَفعل ذلك، جعلوا لا، وإِن رأَيتَها مُبتدأَةً، ردًّا لكلامٍ قد مَضَى، فلو أُلْغِيَتْ لا مِمّا يُنْوَى به الجوابُ لم يكن بين اليمين التي تكون

جواباً واليمين التي تستأْنف فرق‏.‏ وقال الليث‏:‏ العرب تَطرح لا وهي مَنْوِيّة كقولك واللهِ أضْرِبُكَ، تُريد والله لا أَضْرِبُكَ؛ وأَنشد‏:‏

وآلَيْتُ آسَى على هالِكِ، وأَسْأَلُ نائحةً ما لَها

أَراد‏:‏ لا آسَى ولا أَسأَلُ‏.‏ قال أَبو منصور‏:‏ وأَفادَنِي المُنْذري عن

اليزِيدي عن أَبي زيد في قول الله عز وجل‏:‏ يُبَيِّن اللهُ لكم أن تَضِلُّوا؛ قال‏:‏ مَخافَة أَن تَضِلُّوا وحِذارَ أَن تَضِلوا، ولو كان يُبَيّنُ الله لكم أَنْ لا تَضِلوا لكان صواباً، قال أَبو منصور‏:‏ وكذلك أَنْ لا

تَضِلَّ وأَنْ تَضِلَّ بمعنى واحد‏.‏ قال‏:‏ ومما جاء في القرآن العزيز مِن هذا

قوله عز وجل‏:‏ إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السمواتِ والأَرضَ أَنْ تَزُولا؛ يريد

أَن لا تزولا، وكذلك قوله عز وجل‏:‏ أَن تَحْبَطَ أَعمالُكم وأَنتم لا

تَشْعُرون؛ أَي أَن لا تَحْبَطَ، وقوله تعالى‏:‏ أَن تقولوا إِنما أُنْزِلَ

الكتابُ على طائفَتَيْنِ مِن قَبْلنا؛ معناه أَن لا تقولوا، قال‏:‏ وقولك

أَسأَلُك بالله أَنْ لا تقولَه وأَنْ تَقُولَه، فأَمَّا أَنْ لا تقولَه

فجاءَت لا لأَنك لم تُرد أَن يَقُوله، وقولك أَسأَلك بالله أَن تقوله سأَلتك

هذا فيها معنى النَّهْي، أَلا ترى أَنك تقول في الكلام والله أَقول ذلك

أَبداً، والله لا أَقول ذلك أَبداً‏؟‏ لا ههنا طَرْحُها وإِدْخالُها سواء

وذلك أَن الكلام له إِباء وإِنْعامٌ، فإِذا كان من الكلام ما يجيء من باب

الإِنعام موافقاً للإٍباء كان سَواء وما لم يكن لم يكن، أَلا ترى أَنك

تقول آتِيكَ غَداً وأَقومُ معك فلا يكون إِلا على معنى الإِنعام‏؟‏ فإذا قلت

واللهِ أَقولُ ذلك على معنى واللهِ لا أَقول ذلك صَلَحَ، وذلك لأن الإِنْعام واللهِ لأَقُولَنَّه واللهِ لأَذْهَبَنَّ معك لا يكون واللهِ أَذهب

معك وأَنت تريد أَن تفعل، قال‏:‏ واعلم أَنَّ لا لا تكون صِلةً إِلاَّ في معنى الإِباء ولا تكون في معنى الإِنعام‏.‏ التهذيب‏:‏ قال الفراء والعرب

تجعل لا صلة إِذا اتصلت بجَحْدٍ قبلَها؛ قال الشاعر‏:‏

ما كانَ يَرْضَى رسولُ اللهِ دِيْنَهُمُ، والأَطْيَبانِ أَبو بَكْرٍ ولا عُمَر

أَرادَ‏:‏ والطَّيِّبانِ أَبو بكر وعمر‏.‏ وقال في قوله تعالى‏:‏ لِئلاَّ

يَعْلَمَ أَهْلُ الكتابِ أَنْ لا يَقْدِرُونَ على شيء من فَضْلِ اللهِ؛ قال‏:‏

العرب تقول لا صِلةً في كلّ كلام دخَل في أَوَّله جَحْدٌ أَو في آخره جحد

غير مُصرَّح، فهذا مما دخَل آخِرَه الجَحْدُ فجُعلت لا في أَوَّله

صِلةً، قال‏:‏ وأَما الجَحْدُ السابق الذي لم يصرَّحْ به فقولك ما مَنَعَكَ أن لا تَسْجُد، وقوله‏:‏ وما يُشْعِرُكُمْ أَنها إِذا جاءت لا يُؤْمِنون، وقوله عز وجل‏:‏ وحَرامٌ على قَرْيةٍ أَهْلَكْناها أَنهم لا يَرْجِعُون؛ وفي الحَرام معنى جَحْدٍ ومَنْعٍ، وفي قوله وما يُشْعركم مثله، فلذلك جُعِلت لا

بعده صِلةً معناها السُّقوط من الكلام، قال‏:‏ وقد قال بعضُ مَن لا يَعرف

العربية، قال‏:‏ وأُراه عَرْضَ بأَبِي عُبيدة، إِن معنى غير في قول الله عز

وجل‏:‏ غير المغضوب عليهم، معنى سِوَى وإِنَّ لا صلةٌ في الكلام؛ واحتج

بقوله‏:‏

في بئْرِ لا حُورٍ سرى وما شَعَرْ

بإِفْكِه، حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ

قال‏:‏ وهذا جائز لأَن المعنى وقَعَ فيما لا يتبيَّنْ فيه عَمَلَه، فهو جَحْدُ محض لأَنه أَراد في بئرِ ما لا يُحِيرُ عليه شيئاً، كأَنك قلت إِلى

غير رُشْد توجَّه وما يَدْرِي‏.‏ وقال الفراء‏:‏ معنى غير في قوله غير

المغضوب معنى لا، ولذلك زِدْتَ عليها لا كما تقول فلان غيرُ مُحْسِنٍ ولا

مُجْمِلٍ، فإِذا كانت غير بمعنى سِوَى لم يجز أَن تَكُرّ عليه، أَلا ترَى أَنه

لا يجوز أَن تقول عندي سِوَى عبدِ الله ولا زيدٍ‏؟‏ وروي عن ثعلب أَنه سمع

ابن الأَعرابي قال في قوله‏:‏

في بئر لا حُورٍ سرى وما شَعَر

أَراد‏:‏ حُؤُورٍ أَي رُجُوع، المعنى أَنه وقع في بئرِ هَلَكةٍ لا رُجُوعَ

فيها وما شَعَرَ بذلك كقولك وَقع في هَلَكَةٍ وما شَعَرَ بذلك، قال‏:‏

ويجيء لا بمعنى غير؛ قال الله عز وجل‏:‏ وقِفُوهُمْ إِنَّهم مسؤُولون ما لكم

لا تَناصَرُون؛ في موضع نصب على الحال، المعنى ما لكم غيرَ مُتناصِرين؛ قاله الزجاج؛ وقال أَبو عبيد‏:‏ أَنشد الأَصمعي لساعدة الهذلي‏:‏

أَفَعَنْك لا بَرْقٌ كأَنَّ وَمِيضَه

غابٌ تَسَنَّمه ضِرامٌ مُثْقَبُ

قال‏:‏ يريد أَمِنك بَرْقٌ، ولا صلة‏.‏ قال أَبو منصور‏:‏ وهذا يخالف ما قاله

الفراء إِن لا لا تكون صلة إِلا مع حرف نفي تقدَّمه؛ وأَنشد الباهلي

للشماخ‏:‏

إِذا ما أَدْلَجْتْ وضَعَتْ يَداها، لَها الإِدْلاج لَيْلَه لا هُجُوعِ

أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ التي لا يُهْجَعُ فيها، يعني الناقة

ونَفَى بلا الهُجُوعَ ولم يُعْمِلْ، وترك هُجُوع مجروراً على ما كان

عليه من الإِضافة؛ قال‏:‏ ومثله قول رؤبة‏:‏

لقد عرَفْتُ حِينَ لا اعْتِرافِ

نَفى بلا وترَكَه مجروراً؛ ومثله‏:‏

أَمْسَى بِبَلْدَةِ لا عَمٍّ ولا خال

وقال المبرد في قوله عز وجل‏:‏ غَيْرِ المَغْضوبِ عليهم ولا الضالِّين؛ إِنما جاز أَن تقع لا في قوله ولا الضَّالين لأَن معنى غير متضمن معنى

النَّفْي، والنحويون يُجيزون أَنتَ زيداً غَيْرُ ضارِبٍ لأَنه في معنى قولك

أَنتَ زيداً لا ضارِبٌ، ولا يجيزون أَنت زيداً مِثْلُ ضارِب لأَن زيداً من صلة ضارِبٍ فلا تتقدَّم عليه، قال‏:‏ فجاءت لا تُشَدِّد من هذا النفي الذي

تضمنه غيرُ لأَنها تُقارِبُ الداخلة، أَلا ترى أَنك تقول جاءَني زيد

وعمرو، فيقول السامع ما جاءَك زيد وعَمرو‏؟‏ فجائز أَن يكون جاءَه أَحدُهما، فإِذا قال ما جاءَني زيد ولا عمرو فقد تَبَيَّن أَنه لم يأْت واحد منهما‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ولا تَسْتَوي الحَسَنةُ ولا السَّيِّئةُ؛ يقارب ما ذكرناه

وإِن لم يَكُنْه‏.‏ غيره‏:‏ لا حرفُ جَحْد وأَصل ألفها ياء، عند قطرب، حكاية

عن بعضهم أَنه قال لا أَفعل ذلك فأَمال لا‏.‏ الجوهري‏:‏ لا حرف نفي لقولك

يَفْعَل ولم يقع الفعل، إِذا قال هو يَفْعَلُ غَداً قلت لا يَفْعَلُ غداً، وقد يكون ضدّاً لبَلَى ونَعَمْ، وقد يكون للنَّهْي كقولك لا تَقُمْ ولا

يَقُمْ زيد، يُنهى به كلُّ مَنْهِيٍّ من غائب وحاضِر، وقد يكون لَغْواً؛ قال العجاج‏:‏

في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

وفي التنزيل العزيز‏:‏ ما مَنَعَك أَن لا تَسْجُد؛ أَي ما منعك أن تسْجُد، وقد يكون حرفَ عطف لإِخراج الثاني مما دخل فيه الأَول كقولك رأَيت

زيداً لا عَمراً، فإَن أَدْخَلْتَ عليها الواو خَرَجَتْ من أَن تكون حَرْفَ

عطفٍ كقولك لم يقم زيد ولا عمرو، لأَن حُروف النسق لا يَدخل بعضُها على

بعض، فتكون الواو للعطف ولا إِنما هي لتأْكيد النفي؛ وقد تُزاد فيها التاء

فيقال لاتَ؛ قال أَبو زبيد‏:‏

طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ

وإِذا استقبلها الأَلف واللام ذهبت أَلفه كما قال‏:‏

أَبَى جُودُه لا البُخْلَ، واستَعْجلتْ نَعَمْ

بهِ مِنْ فَتًى، لا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ

قال‏:‏ وذكر يونس أَن أَبا عمرو بن العلاء كان يجرّ البُخل ويجعل لا

مُضافة إِليه لأَنَّ لا قد تكون للجُود والبُخْلِ، أَلا ترى أَنه لو قيل له

امْنَعِ الحَقَّ فقال لا كان جُوداً منه‏؟‏ فأَمَّا إِنْ جَعَلْتَها لغواً

نصَبْتَ البُخل بالفعل وإِن شئت نصَبْتَه على البدل؛ قال أَبو عمرو‏:‏ أَراد

أَبَى جُودُه لا التي تُبَخِّلُ الإِنسان كأَنه إِذا قيل له لا تُسْرِفُ

ولا تُبَذِّرْ أَبَى جُوده قولَ لا هذه، واستعجلت نعم فقال نَغَم

أَفْعلُ ولا أَترك الجُودَ؛ قال‏:‏ حكى ذلك الزجاج لأَبي عمرو ثم قال‏:‏ وفيه قولان

آخران على رواية مَن روى أَبَى جُودُه لا البُخْل‏:‏ أَحدهما معناه أَبَى

جُوده البُخْلَ وتَجعل لا صِلةً كقوله تعالى‏:‏ ما منَعك أَن لا تَسْجُدَ، ومعناه ما منعكَ أَن تسجُدَ، قال‏:‏ والقول الثاني وهو حَسَن، قال‏:‏ أرى أن يكون لا غيرَ لَغْوٍ وأَن يكون البُخل منصوباً بدلاً من لا، المعنى‏:‏ أبي

جُودُه لا التي هي للبُخْل، فكأَنك قلت أَبَى جُوده البُخْلَ وعَجَّلَتْ

به نَعَمْ‏.‏ قال ابن بري في معنى البيت‏:‏ أَي لا يَمْنَعُ الجُوعَ

الطُّعْمَ الذي يَقْتُله؛ قال‏:‏ ومن خفض البُخْلَ فعلى الإِضافةِ، ومَن نصب

جَعَله نعتاً للا، ولا في البيت اسمٌ، وهو مفعول لأَبَى، وإِنما أَضاف لا إِلى

البُخل لأَنَّ لا قد تكون للجُود كقول القائل‏:‏ أَتَمْنَعُني من عَطائك، فيقول المسؤول‏:‏ لا، ولا هنا جُودٌ‏.‏ قال‏:‏ وقوله وإِن شئت نصبته على البدل، قال‏:‏ يعني البخل تنصبه على البدل من لا لأَن لا هي البُخل في المعنى، فلا يكون لَغْواً على هذا القول‏.‏

لا التي تكون للتبرئة‏:‏ النحويون يجعلون لها وجوهاً في نصب المُفرد

والمُكَرَّر وتنوين ما يُنوَّنُ وما لا يُنوَّن، والاخْتِيارُ عند جميعهم

أَن يُنصَب بها ما لا تُعادُ فيه كقوله عز وجل‏:‏ أَلم ذلك الكتابُ لا

رَيْبَ فيه؛ أَجمع القراء على نصبه‏.‏ وقال ابن بُزرْج‏:‏ لا صلاةَ لا رُكُوعَ

فيها، جاء بالتبرئة مرتين، وإِذا أَعَدْتَ لا كقوله لابَيْعَ لا بَيْعَ فيه

ولا خُلَّة ولا شفاعة فأَنتَ بالخيار، إِن شئت نصبت بلا تنوين، وإِن شئت

رَفَعْتَ ونوَّنْتَ، وفيها لُغاتٌ كثيرة سوى ما ذكرتُ جائزةٌ عندهم‏.‏

وقال الليث‏:‏ تقول هذه لاء مَكْتوبةٌ فتَمُدُّها لتَتِمَّ الكلمة اسماً، ولو

صغرت لقلت هذه لُوَيَّةٌ مكتوبة إِذا كانت صغيرة الكِتْبة غيرَ جَليلةٍ‏.‏

وحكى ثعلب‏:‏ لَوَّيْت لاء حَسَنَةً عَمِلْتها، ومدَّ لا لأَنه قد صيَّرَها

اسماً، والاسمُ لا يكون على حرفين وَضْعاً، واخْتارَ الأَلف من بين حروف

المَدِّ واللين لمكان الفَتْحة، قال‏:‏ وإِذا نسبت إِليها قلت لَوَوِيٌّ

وقصِيدةٌ لَوَوِيَّةٌ‏:‏ قافِيَتُها لا‏.‏ وأَما قول الله عز وجل‏:‏ فلا

اقْتَحَمَ العَقَبةَ، فلا بمعنى فَلَمْ كأَنه قال فلم يَقْتَحِمِ العَقَبةَ، ومثله‏:‏ فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى، إِلاَّ أَنَّ لا بهذا المعنى إِذا

كُرِّرَتْ أَسْوَغُ وأَفْصَحُ منها إِذا لم تُكَرَّرْ؛ وقد قال الشاعر‏:‏

إِنْ تَغْفِرِ اللهمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا‏؟‏

وقال بعضهم في قوله‏:‏ فلا اقْتَحَمَ العَقَبةَ؛ معناها فما، وقيل‏:‏

فَهَلاَّ، وقال الزجاج‏:‏ المعنى فلم يَقْتَحِم العقبةَ كما قال فلا صَدَّق ولا

صَلَّى ولم يذكر لا ههنا إِلاَّ مرة واحدة، وقلَّما تتَكَلَّم العرب في مثل هذا المكان إِلاَّ بلا مَرَّتَيْنِ أَو أَكثر، لا تكاد تقول لا

جِئْتَني تُريد ما جِئْتَني ولا نري صلح

والمعنى في فلا اقْتَحَمَ موجود لأن لا ثابتة كلها في الكلام، لأَن قوله ثم كان من الذين آمنوا يَدُلُّ على

معنى فلا اقْتَحَمَ ولا آمَنَ، قال‏:‏ ونحوَ ذلك قال الفراء، قال الليث‏:‏

وقد يُرْدَفُ أَلا بِلا فيقال أَلا لا؛ وأَنشد‏:‏ فقامَ

يَذُودُ الناسَ عنها بسَيْفِه

وقال‏:‏ أَلا لا من سَبيلٍ إِلى هِنْدِ

ويقال للرجل‏:‏ هل كان كذا وكذا‏؟‏ فيقال‏:‏ أَلا لا؛ جَعَلَ أَلا تَنْبيهاً

ولا نفياً‏.‏ وقال الليث في لي قال‏:‏ هما حَرْفانِ مُتباينان قُرِنا

واللامُ لامُ الملكِ والياء ياء الإضافة؛ وأَما قول الكميت‏:‏

كَلا وكَذا تَغْمِيضةً ثمَّ هِجْتُمُ

لَدى حين أَنْ كانُوا إِلى النَّوْمِ، أَفْقَرا

فيقول‏:‏ كانَ نَوْمُهم في القِلَّةِ كقول القائل لا وذا، والعرب إِذا

أَرادوا تَقْلِيل مُدَّة فِعْلٍ أَو ظهور شيء خَفِيَ قالوا كان فِعْلُه

كَلا، وربما كَرَّروا فقالوا كلا ولا؛ ومن ذلك قول ذي الرمة‏:‏

أَصابَ خَصاصةً فبَدا كَليلاً

كلا، وانْغَلَّ سائرُه انْغِلالا

وقال آخر‏:‏

يكونُ نُزولُ القَوْمِ فيها كَلا ولا

لات‏:‏ أَبو زيد في قوله‏:‏ لاتَ حِينَ مَناصٍ، قال‏:‏ التاء فيها صِلةٌ

والعرب تَصِلُ هذه التاء في كلامها وتَنْزِعُها؛ وأَنشد‏:‏

طَلَبُوا صُلْحَنا ولات أَوانٍ، فأَجَبْنا أَنْ لَيسَ حِينَ بَقاءِ

قال‏:‏ والأَصل فيها لا، والمعنى فيها لَيْسَ، والعرب تقول ما أَسْتَطِيعُ وما أَسْطِيعُ، ويقولون ثُمَّتَ في موضع ثُمَّ، ورُبَّتَ في موضع

رُبَّ، ويا وَيْلَتنا ويا وَيْلَنا‏.‏ وذكر أَبو الهيثم عن نَصْرٍ الرازي أَنه

قال في قولهم لاتَ هَنّا أي ليسَ حين ذلكَ، وإنما هُو لا هَنَّا، فأَنَّثَ

لا فقيل لاةَ ثم أُضيفَ فتحوَّلت الهاء تاء، كما أَنَّثوا رُبَّ رُبَّةَ

وثُمَّ ثُمَّتَ، قال‏:‏ وهذا قول الكسائي‏.‏ وقال الفراء‏:‏ معنى ولاتَ حِينَ

مَناصٍ أَي ليس بِحِينِ فِرارٍ، وتَنْصِبُ بها لأَنها في معنى ليس؛ وأَنشد‏:‏

تَذَكَّر حُبَّ لَيْلى لاتَ حِينا

قال‏:‏ ومن العرب من يَخْفِض بلاتَ؛ وأَنشد‏:‏

طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ

قال شمر‏:‏ أَجمع علماء النحويين من الكوفيين والبصريين أَن أَصل هذه

التاء التي في لاتَ هاء، وُصِلَت بلا فقالوا لاةَ لغير معنى حادث، كما زادوا

في ثُم وثُمةَ،لَزِمت، فلما،صَلُوها جعلوها تاء‏.‏

إما لا‏:‏ في حديث بَيْعِ الثَّمَرِ‏:‏ إما لا فلا تَبايَعُوا حتى يَبدُوَ

صلاح الثَّمَرِ؛ قال ابن الأثير‏:‏ هذه كلمة تَرد في المُحاوَرات كثيراً، وقد جاءت في غير موضع من الحديث، وأَصلها إن وما ولا، فأدُغمت النون في الميم وما زائدة في اللفظ لا حُكم لها‏.‏ قال الجوهري‏:‏ قولهم إِمَّا لا

فافْعَلْ كذا بالإمالة، قال‏:‏ أَصله إنْ لا وما صِلةٌ، قال‏:‏ معناه إلاَّ يَكُنْ

ذلك الأَمر فافعل كذا، قال‏:‏ وقد أَمالت العرب لا إمالةً خَفِيفةً، والعوام يُشْبِعون إِمالَتها فتصير أَلفها ياء، وهو خطأٌ، ومعناها إن لم تَفْعَلْ هذا فليَكُنْ هذا، قال الليث‏:‏ قولهم إمَّا لا فافعل كذا إنما هي على

معنى إِنْ لا تَفْعَلْ ذلك فافْعَلْ ذا، ولكنهم لَمَّا جمعوا هؤلاء

الأَحْرفَ فَصِرْن في مَجْرى اللفظ مُثقلة فصار لا في آخرها كأَنه عَجُز كلمة

فيها ضمير ما ذكرت لك في كلام طَلَبْتَ فيه شيئاً فرُدَّ عليك أَمْرُكَ

فقلت إَمَّا لا فافْعَلْ ذا، قال‏:‏ وتقولُ الْقَ زيداً وإلاَّ فلا، معناه

وإلا تَلْقَ زيداً فدَعْ؛ وأَنشد‏:‏

فطَلِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ، وإِلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ

فأَضمر فيه وإِلاَّ تُطلَّقْها يَعْلُ، وغير البيانِ أَحسن‏.‏ وروى أبو الزبير عن جابر‏:‏ أَن النبي صلى الله عليه وسلم رأَى جملاً نادّاً فقال لِمَنْ هذا الجملُ‏؟‏ فإِذا فِتْيةٌ من الأَنْصارِ قالوا اسْتَقَيْنا عليه

عشرين سنة وبه سَخِيمةٌ فأَرَدْنا أَن نَنْحَره فانفَلَتَ منا، فقال‏:‏

أَتَبِيعُونه‏؟‏ قالوا‏:‏ لا بل هو لَكَ، فقال‏:‏ إِما لا فأَحْسِنُوا إِليه حتى

يَأْتيَ أَجَلُه؛ قال أَبو منصور‏:‏ أَراد إلاَّ تَبِيعُوه فأَحْسِنوا

إِليه، وما صِلةٌ، والمعنى إِنْ لا فوُكِّدَت بما، وإِنْ حرف جزاء ههنا، قال أَبو حاتم‏:‏ العامة رُبَّما قالوا في مَوْضِعِ افْعَلْ ذلك إما لا افْعَلْ ذلك ارى، وهو فارسي مردود، والعامة تقول أَيضاً‏:‏ أُمَّا لي فيَضُمُّون الأَلف وهو خطأٌ أَيضاً، قال‏:‏ والصواب إِما لا غير مُمال لأَن الأَدوات لا تُمالُ‏.‏ ويقال‏:‏ خُذْ هذا

إِما لا، والمعنى إِن لم تأْخُذْ ذلك فخُذْ هذا، وهو مِثلُ المَثَل، وقد

تجيء ليس بمعنى لا ولا بمعنى ليس؛ ومن ذلك قول لبيد‏:‏

إِنما يُجْزى الفَتى ليس الجَمَلْ

أَراد لا الجمل‏.‏ وسئل سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن

العَزْلِ عن النساء فقال‏:‏ لا عليكم أَن لا تَفْعَلُوا فإِنما هو القَدَرُ، معناه

ليس عليكم أَن لا تَفْعَلُوا يعني العَزْلَ، كأَنه أَراد ليسَ عليكم

الإِمْساكُ عنه من جهة التحريم، وإِنما هو القَدَرُ إن قدَّرَ اللهُ أن يكون وَلدٌ كان‏.‏ ابن الأَعرابي‏:‏ لاوَى فلان فلاناً إذا خالفَه‏.‏ وقال الفراء‏:‏

لاوَيْت أَي قُلت لا، وابن الأَعرابي‏:‏ يقال لَوْلَيْت بهذا المعنى‏.‏ ابن سيده‏:‏ لَوْ حَرْفٌ يدل على امْتِناع الشيء لامْتِناع غيره، فإن سميت به الكلمة شدّدت؛ قال‏:‏

وقِدْماً أَهْلَكَتْ لَوٌّ كَثِيراً، وقَبْعلَ اليَوْمِ عالجَها قُدارُ

وأَما الخليل فإِنه يَهمز هذا النحو إذا سُمي به كما يُهْمَزُ

النَّؤُورُ‏.‏ وقال الليث‏:‏ حَرْفُ أُمْنِيَّةٍ كقولك لَوْ قَدِمَ زيد، لَوْ أَن لنا

كَرَّةً، فهذا قد يُكْتَفى به عن الجواب، قال‏:‏ وقد تكون لَوْ مَوْقُوفةً

بين نفي وأُمْنِيَّة إِذا وُصِلت بلا؛ وقال المبرد‏:‏ لَوْ تُوجِب الشيء من أَجْلِ وُقوع غيره، ولولا تَمْنَع الشيءَ من أَجْلِ وُقوع غيره‏.‏ وقال الفراء فيما رَوى عنه سَلمة‏:‏ تكون لَوْ ساكنة الواو إذا جعلتها أَداةً، فإِذا أَخرجتها إِلى الأَسماء شدّدت واوها وأَعربتها؛ ومنه قوله‏:‏

عَلِقَتْ لَوٌّا تُكَرِّرُه، إنَّ لَوًّا ذاكَ أَعْيانا

وقال الفراء‏:‏ لولا إذا كانت مع الأَسماء فهي شَرْط، وإذا كانت مع

الأَفعال فهي بمعنى هَلاّ، لَوْمٌ على ما مضَى وتَحْضِيضٌ لما يأْتي، قال‏:‏ ولو

تكون جَحداً وتَمَنِّياً وشَرْطاً، وإِذا كانت شرطاً كانت تخويفاً

وتَشْوِيقاً وتمْثيلاً وشَرْطاً لا يتم‏.‏ قال الزجاج‏:‏ لو يَمْتَنِعُ بها الشيء

لامْتِناع غيره، تقول‏:‏ لو جاءني زيد لجئته، المعنى بأَنَّ مَجِيئِي

امْتَنَع لامْتِناع مَجيء زيد‏.‏ وروى ثعلب عن الفراء قال‏:‏ لاوَيْتُ أَي قلت

لَوْلا، قال‏:‏ وابن الأَعرابي قال لَولَيتُ، قال أَبو منصور‏:‏ وهو أَقيس‏.‏ وقال الفرَّاء في قوله تعالى‏:‏ فلولا كانَ من القُرون من قَبْلِكم أُولُو بقية

يَنْهَوْن؛ يقول لم يكن منكم أَحد كذلك إِلا قليلاً فإن هؤلاء كانوا

يَنْهَوْنَ فَنَجَوْا، وهو اسِّتثناء على الانقطاع مما قبله كما قال عز وجل‏:‏

إِلاَّ قَومَ يُونُس؛ ولو كان رفعاً كان صواباً‏.‏ وروى المنذري عن ثعلب

قال‏:‏ لَوْلا ولَوْما إِذا وَلِيَتِ الأَسماء كانت جزاء وأُجِيبَتْ، وإذا

وَلِيت الأفعال كانت استفهاماً‏.‏ ولَوْلاكَ ولَوْلايَ بمعنى لَوْلا أَنتَ

ولولا أَنا اسْتُعْمِلَتْ؛ وأَنشد الفراء‏:‏

أَيَطْمَعُ فِينا مَنْ أَراقَ دِماءَنا، ولَوْلاهُ لَمْ يَعْرِضْ لأَحْسابِنا حَسَنْ

قال‏:‏ والاستفهام مثل قوله‏:‏ لَوْما تَأْتِينا بالملائكة، وقوله‏:‏ لَوْلا

أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؛ المعنى هلاّ أَخَّرْتَني إِلى أَجل

قريب، وقد استَعْلَمَتِ العرب لَوْلا في الخبر؛ قال الله تعالى‏:‏ لَوْلا أَنتم

لَكُنَّا مُؤْمِنين؛ وأَنشد‏:‏

لَوْما هَوَى عِرْسٍ كُمَيْتٍ لَمْ أُبَلْ

قال ابن كَيْسانَ‏:‏ المَكْنِيُّ بَعْدَ لَوْلا له وجهان‏:‏

إن شئت جئت بِمَكْني المرفوع فقلت لَوْلا هُو ولولاهُمْ ولولا هي ولولا أَنْتَ، وإن شئت وَصَلْتَ المَكْنيَّ بها فكان كَمَكْنِيَّ الخَفْضِ، والبصريون يقولون هو خفض، والفراء يقول‏:‏ وإن كان في لفظ الخفض فهو في مَوْضِع رَفْع، قال‏:‏ وهو أَقْيَسُ القولين، تقول‏:‏ لَوْلاكَ ما قُمْتُ

ولَولايَ ولولاهُ ولولاهُم ولولاها، والأَجود لولا أَنتَ كما قال عز وجل‏:‏ لَوْلا

أَنتُم لَكُنَّا مُؤْمِنين؛ وقال‏:‏

ومَنْزِلةٍ لَوْلايَ طِحْتَ كما هَوَى، بأَجْرامِه مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوي

وقال رؤبة‏:‏

وهْيَ تَرَي لَوْلا تَرضي التَّحْرِيما

يصف العانة يقول‏:‏ هي تَرَي رَوْضاً لولا أَنْها تَرَى مَنْ يُحَرِّمُها

ذلك؛ وقال في موضع آخر‏:‏

ورامِياً مُبتَرِكاً مَزْكُوما

في القَبْرِ لَوْلا يَفْهَمُ التَّفْهِيما

قال‏:‏ معناه هو في القبر لولا يَفْهم، يقول‏:‏ هو كالمَقْبُورِ إِلا أَنه

يَفْهَمُ كأَنه قال لولا أَنه يَفْهَمُ التَّفْهيم، قال الجوهري‏:‏ لو حرف

تمنٍّ وهو لامْتِناعِ الثاني مِن أَجْل امْتِناعِ الأَوَّل، تقول لَوْ

جِئْتَني لأَكْرَمْتُكَ، وهو خلاف إن التي للجزاء لأَنها تُوقعُ الثاني من أَجْل وُقُوعِ الأَوَّل، قال‏:‏ وأَما لَوْلا فمركبة من معنى إِنْ ولَوْ، وذلك أَنَّ لولا تمنع الثاني من أَجل وجود الأَوَّل؛ قال ابن بري‏:‏ ظاهر

كلام الجوهري يقضي بأَن لولا مركبة من أَن المفتوحة

ولو، لأَن لو للامتناع وان

للوجود، فجعل لولا حرف امتناع لوجود‏.‏ قال الجوهري‏:‏ تقول لولا زيد لهلكنا أي

امتنع وقوع الهلاك من أَجل وجود زيد هناك؛ قال‏:‏ وقد تكون بمعنى هَلاَّ

كقول جرير‏:‏

تَعُّدُونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم

بَنِي ضَوْطَرَى، لَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا

وإن جعلت لو اسماً شددته فقلت‏:‏ قد أَكثرت من اللَّوَّ،لأَن حروف

المَعاني والأَسماءَ الناقصةَ إذا صُيِّرَتْ أَسْماء تامة بإدخال الأَلف واللام

عليها أَو بِإِعْرابِها شُدِّدَ ما هو منها على حرفين، لأَنه يزاد في آخره حرف من جنسه فَتُدغمُ وتُصْرَِفُ، إلا الأَلف فإِنك تَزيد عليها مثلها

فتمدُّها لأَنها تَنْقَلِبُ عند التحريك لاجتماع الساكنين همزةً فتقول في لا كتبت لاءً حَسَنةً؛ قال أَبو زُبَيْدٍ‏:‏

لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّيَ لَيْت‏؟‏ *** إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَناء

وقال ابن سيده‏:‏ حكى ابن جني عن الفارسي سأَلتك حاجة فَلأْيَلْتَ لِي أَي

قُلْتَ لِي لا، اشْتَقُّوا من الحرف فعلاً، وكذلك أَيضاً اشْتَقَّوا منه

المَصْدَر وهو اسم فقالوا الَّلأْلأَة، وحكي أَيضاً عن قطرب أَن بعضهم

قال‏:‏ لا أَفْعلُ، فأَمالَ لا، قال‏:‏ وإنما أَمالَها لمَّا كانت جواباً

قائمة بنفسها وقَوِيَتْ بذلك فلَحِقَتْ باللَّوَّة بالأَسماء والأفعال

فأُمِيلَت كما أُميلا، فهذا وجه إمالتها‏.‏ وحكى أَبو بكر في لا وما من بين

أَخواتهما‏:‏ لَوْيْتُ لاء حَسَنةً، بالمدّ، ومَوَّيْتُ ماء حَسَنةً، بالمدّ، لمكان الفتحة من لا وما؛ قال ابن جني‏:‏ القول في ذلك أَنهم لَمَّا

أَرادوا اشْتِقاق فَعَّلْتُ مِن لا وما لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين، فزادوا على الأَلف أَلفاً أُخرى ثم هَمَزُوا الثانيةَ كما تقدَّم فصارت لاء

وماء، فَجَرَتْ بعد ذلك مجرى باء وحاء بعد المدّ، وعلى هذا قالوا في النسب

إِلى ما لَمَّا احْتاجُوا إلى تكميلها اسماً مُحْتَمِلاً للإعراب‏:‏ قد

عَرَفْت مائِيَّةَ الشيء، فالهمزةُ الآن إنما هي بدلٌ من أَلفٍ لَحِقَت

أَلِفَ ما، وقَضَوْا بأَنَّ أَلف ما ولا مُبْدلةٌ من واو كما ذكرناه من قول

ابي علي ومَذْهَبِه في باب الراء، وأَنَّ الرَّاء منها ياء حملاً على

طوَيْت ورَوَيْت، قال‏:‏ وقول أبي بكر لمكان الفتحة فيهما أَي لأَنك لا

تُمِيلُ ما ولا فتقول ما ولا مُمالَتَيْنِ، فذهب إلى أَنَّ الأَلف فيهما من واو كما قَدَّمْناه من قول أَبي علي ومذهبه‏.‏ وتكون زائدة كقوله تعالى‏:‏

لئَلاَّ يَعْلَم أَهلُ الكتابِ‏.‏ وقالوا‏:‏ نابَلْ، يُريدون لا بَلْ، وهذا على

البَدَل‏.‏

ولولا‏:‏ كَلمة مُرَكَّبةٌ من لو ولا،ومعناها امْتناعُ الشيء لوجود غيره

كقولك لَوْلا زيد لَفَعَلْتُ، وسأَلتك حاجة فَلَوْلَيْتَ لي أي قُلْتَ

لَوْلا كذا؛ كأَنه أَراد لَوْلَوْتُ فقلب الواو الأَخيرة ياء للمُجاورة، واشتقوا أَيضاً من الحرف مَصْدراً كما اشتقوا منه فِعْلاً فقالوا

اللَّوْلاة؛ قال ابن سيده‏:‏ وإِنما ذكرنا ههنا لايَيْت ولَوْلَيْتُ لأَن هاتين

الكلمتين المُغَيَّرَتَيْنِ بالتركيب إِنما مادَّتهما لا ولَوْ، ولَوْلا أن القِياسَ شيء بَرِيءٌ من التُّهَمة لقلت إنهما غير عربيتين؛ فأَما قول

الشاعر‏:‏

لَلَوْلا حُصَيْنٌ عَيْبَهُ أَن أَسُوءَه، وأَنَّ بَني سَعدٌ صَديقٌ ووَالِدُ

فإِنه أَكد الحرف باللام‏.‏ وقوله في الحديث‏:‏ إِيَّاكَ واللَّوَّ فإن اللَّوَّ مِن الشَّيطانِ؛ يريد قول المُتَنَدِّم على الفائت‏:‏ لو كان كذا

لَقلتُ ولَفَعَلْتُ، وكذلك قول المُتَمَنِّي لأَنَّ ذلك مِن الاعْتراض على

الأَقدار، والأَصلُ فيه لَوْ ساكِنة الواو، وهي حرف من حروف المَعاني

يَمتنع بها الشيء، لامْتناع غيره، فإِذا سُمِّي بها زِيدَ فيها واو أُخرى، ثم أُدغمت وشُدِّدت حَملاً على نظائرها من حروف المعاني، والله أَعلم‏:‏

ما‏:‏ حَرْفُ نَفي وتكون بمعنى الذي، وتكون بمعنى الشَّرط، وتكون عِب

ارة عن جميع أَنواع النكرة، وتكون موضُوعة موضع مَنْ، وتكون بمعنى

الاسْتِفهام، وتُبْدَل من الأَلف الهاء فيقال مَهْ؛قال الراجز‏:‏

قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ، إِنْ لم أُرَوِّها فَمَهْ

قال ابن جني‏:‏ يحتمل مَهْ هنا وجهين أَحدهما أَن تكون فَمَهْ زَجْراً منه

أَي فاكْفُفْ عني ولستَ أَهلاً للعِتاب، أَو فَمَهْ يا إنسانُ يُخاطب

نفسَه ويَزْجُرها، وتكونُ للتعجُّب، وتكون زائدة كافَّةً وغير كافة، والكافة قولهم إِنما زيدٌ مُنْطَلِقٌ، وغير الكافَّة إِنما زَيْداً مُنطلق، تريد إن زيداً منطلق‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ فِبما نَقْضِهم مِيثاقَهم، وعَمَّا قليل ليُصْبِحُنَّ نادِمين، ومِمَّا خَطيِئَاتِهم أُغْرِقُوا؛ قال اللحياني‏:‏ ما مؤنثة، وإن ذُكِّرَت جاز؛ فأَما قول أَبي النجم‏:‏ الله نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ، مِنْ بَعْدِما وبَعْدِما وبَعْدِمَتْ

صارَتْ نُفُوسُ القَومِ عِنْد الغَلْصَمَتْ، وكادتِ الحُرَّةُ أَن تُدْعَى أَمَتْ

فإِنه أَراد وبَعْدِما فأَبدلَ الأَلف هاء كما قال الراجز‏:‏

مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ

فلما صارت في التقدير وبعدمَهْ أَشبهت الهاء ههنا هاء التأْنيث في نحو

مَسْلمةَ وطَلْحة، وأَصلُ تلك إِنما هو التاء، فشبَّه الهاء في وبَعْدِمَهْ بهاء التأَنيث فوَقَفَ عليها بالتاء كما يَقِفُ على ما أَصله التاء

بالتاء في مَسْلَمَتْ والغَلْصَمَتْ، فهذا قِياسُه كما قال أبو وَجْزَة‏:‏ العاطِفُونَتَ، حين ما مِنْ عاطِفٍ، والمُفْضِلونَ يَداً، وإذا ما أَنْعَمُوا

أَراد‏:‏ العاطِفُونَهْ، ثم شبَّه هاء الوقف بهاء التأْنيث التي أَصلها

التاء فَوَقَفَ بالتاء كما يَقِفُ على هاء التأْنيث بالتاء‏.‏ وحكى ثعلب

وغيره‏:‏ مَوَّيْتُ ماء حَسَنةً، بالمدِّ، لمكان الفتحة مِن ما، وكذلك لا أَي

عَمِلْتها، وزاد الأَلف في ما لأَنه قد جعلها اسماً، والاسم لا يكون على

حرفين وَضْعاً، واختار الأَلف من حروف المدِّ واللِّين لمكان الفتحة، قال‏:‏

وإذا نسبت إِلى ما قلت مَوَوِيٌّ‏.‏ وقصيدة ماويَِّةٌ ومَوَوِيَّةٌ‏:‏

قافيتها ما‏.‏ وحكى الكسائي عن الرُّؤاسي‏:‏ هذه قصيدة مائِيةٌ وماوِيَّةٌ

ولائِيَّةٌ ولاوِيَّةٌ ويائِيَّةٌ وياوِيَّةٌ، قال‏:‏ وهذا أَقْيسُ‏.‏ الجوهري‏:‏ ما حرف يَتَصَرَّف على تسعة أَوجه‏:‏ الاستفهامُ نحو ما عِنْدَك، قال ابن بري‏:‏

ما يُسأَلُ بها عَمَّا لا يَعْقِل وعن صفات من يَعْقِل، يقول‏:‏ ما عَبْدُ الله‏؟‏ فتقول‏:‏ أَحْمَقُ أَو عاقلٌ، قال الجوهري‏:‏ والخَبَر نحو رأيت ما عِنْدَك وهو بمعنى الذي، والجزاء نحو ما يَفْعَلْ أَفْعَلْ، وتكون تعجباً

نحو ما أَحْسَنَ زيداً، وتكون مع الفِعل في تأْويل المَصدر نحو بَلَغَني

ما صَنَعْتَ أَي صَنِيعُك، وتكون نكرة يَلْزَمُها النعتُ نحو مررت بما

مُعْجِبٍ لك أَي بشيءٍ مُعْجِبٍ لك، وتكون زائدةً كافّةً عن العمل نحو إنما

زيد مُنْطَلِقٌ، وغير كافَّة نحو قوله تعالى‏:‏ فبِما رَحْمَةٍ من الله لِنْتَ لهم؛ وتكون نفياً نحو ما خرج زيد وما زَيْدٌ خارِجاً، فإن جعلْتَها

حرفَ نفيٍ لم تُعْمِلْها في لغة أَهل نَجدٍ لأَنها دَوَّارةٌ، وهو القِياس، وأَعْمَلْتَها في لغةِ أَهل الحِجاز تشبيهاً بليس، تقول‏:‏ ما زيدٌ

خارِجاً وما هذا بَشراً، وتجيء مَحْذُفَةً منها الأَلفُ إِذا ضَمَمتَ إِليها

حرفاً نحو لِمَ وبِمَ وعَمَّ يَتَساءلُون؛ قال ابن بري‏:‏ صوابه أَن يقول‏:‏

وتجيء ما الاستفهاميةُ مَحذُوفةً إِذا ضممت إِليها حرفاً جارًّا‏.‏

التهذيب‏:‏ إِنما قال النحويون أَصلُها ما مَنَعَتْ إِنَّ من العمل، ومعنى إِنَّما

إثباتٌ لما يذكر بعدها ونَفْيٌ لما سِواه كقوله‏:‏ وإِنَّما يُدافِعُ عن

أَحْسابِهم أَنا أَو مِثْلي؛ المعنى ما يُدافعُ عن أَحسابهم إِلاَّ أَنا

أَو مَنْ هو مِثْلي، والله أَعلم‏.‏ التهذيب‏:‏ قال أَهل العربية ما إِذا كانت

اسماً فهي لغير المُمَيِّزِين من الإِنس والجِنِّ، ومَن تكون

للمُمَيِّزِين، ومن العرب من يستعمل ما في موضع مَنْ، مِن ذلك قوله عز وجل‏:‏ ولا

تَنكِحوا ما نَكَح آباؤكم من النِّساء إِلا ما قد سَلَفَ؛ التقدير لا

تَنْكِحُوا مَنْ نَكَحَ آباؤكم، وكذلك قوله‏:‏ فانْكِحُوا ما طابَ لكم من النِّساء؛ معناه مَنْ طابَ لكم‏.‏ وروى سلمة عن الفراء‏:‏ قال الكسائي تكون ما اسماً

وتكون جَحْداً وتكون استفهاماً وتكون شرطاً وتكون تَعَجُّباً وتكون

صِلةً وتكون مَصْدَراً‏.‏ وقال محمد بن يزيد‏:‏ وقد تأْتي ما تَمْنَع العامِلَ

عَملَه، وهو كقولك‏:‏ كأَنَّما وَجْهُكَ القمرُ، وإِنما زيدٌ صَدِيقُنا‏.‏ قال أَبو منصور‏:‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ رُبَّما يَوَدُّ الذين كفروا؛ رُبَّ

وُضِعَت للأَسماء فلما أُدْخِل فيها ما جُعلت للفعل؛ وقد تُوصَلُ ما بِرُبَّ

ورُبَّتَ فتكون صِلةً كقوله‏:‏

ماوِيَّ، يا رُبَّتَما غارةٍ

شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ

يريد يا رُبَّتَ غارة، وتجيءُ ما صِلَةً يُريد بها التَّوْكِيدَ كقول الله عز وجل‏:‏ فبِما نَقْضِهم مِيثاقَهُم؛ المعنى فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم، وتجيء مصدراً كقول الله عز وجل‏:‏ فاصْدَعْ بما تؤمر؛ أَي فاصْدَعْ بالأَمر، وكقوله عز وجل‏:‏ ما أَغْنى عنه مالُه وما كَسَبَ؛ أَي وكَسْبُه، وما

التَّعَجُّبِ كقوله‏:‏ فما أَصْبَرَهم على النار، والاستفهام بما كقولك‏:‏ ما قولُك في كذا‏؟‏ والاسْتِفهامُ بما من الله لعباده على وجهين‏:‏ هل للمؤمن تَقْريرٌ، وللكافر تَقْرِيعٌ وتَوْبيخٌ، فالتقرير كقوله عز وجل لموسى‏:‏ وما

تِلكَ بيَمِينك يا موسى قال هي عَصايَ، قَرَّره اللهُ أَنها عَصاً كراهةَ

أَن يَخافَها إِذا حوَّلها حَيَّةً، والشَّرْطِ كقوله عز وجل‏:‏ ما يَفْتَح الله للناسِ من رَحْمَة فلا مُمْسِكَ لها وما يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ لَه، والجَحْدُ كقوله‏:‏ ما فَعَلُوه إِلاَّ قَليلٌ منهم، وتجيء ما بمعنى أَيّ

كقول الله عز وجل‏:‏ ادْعُ لَنا رَبَّك يُبَيِّن لنا ما لَوْنُها؛ المعنى

يُبَيِّن لنا أَيُّ شيء لَوْنُها، وما في هذا الموضع رَفْعٌ لأَنها ابْتداء

ومُرافِعُها قوله لَوْنُها، وقوله تعالى‏:‏ أَيّاً ما تَدْعُوا فله

الأَسْماء الحُسْنى؛ وُصِلَ الجَزاءُ بما، فإِذا كان اسْتِفْهاماً لم يُوصَلْ

بما وإِنما يُوصَلُ إِذا كان جزاء؛ وأَنشد ابن الأَعرابي قول حَسَّانَ‏:‏

إِنْ يَكُنْ غَثَّ من رَقاشِ حَديثٌ، فبما يأْكُلُ الحَدِيثُ السِّمِينا

قال‏:‏ فبما أَي رُبَّما‏.‏ قال أَبو منصور‏:‏ وهو مَعْروف في كلامهم قد جاءَ

في شعر الأَعشى وغيره‏.‏ وقال ابن الأَنباري في قوله عز وجل‏:‏ عَما قَلِيل

ليُصْبحُنَّ نادِمينَ‏.‏ قال‏:‏ يجوز أَن يكون معناه عَنْ قَليل وما

تَوْكِيدٌ، ويجوز أَن يكون المعنى عن شيءٍ قليل وعن وَقْتٍ قليل فيصير ما اسماً

غير تَوكيد، قال‏:‏ ومثله مما خَطاياهُمْ، يجوز أَن يكون من إِساءَة خَطاياهم

ومن أَعْمال خَطاياهم، فنَحْكُمُ على ما من هذه الجِهة بالخَفْض، ونَحْمِلُ الخَطايا على إِعرابها، وجَعْلُنا ما مَعْرِفةً لإِتْباعِنا

المَعْرِفةَ إِياها أَوْلى وأَشْبَهُ، وكذلك فبِما نَقْضِهم مِيثاقَهم، معناه

فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم وما تَوْكِيدٌ، ويجوز أَن يكون التأْويل

فَبِإِساءَتِهم نَقْضِهم ميثاقَهم‏.‏

والماءُ، المِيمُ مُمالةٌ والأَلف مَمْدُودةٌ‏:‏ حكاية أَصْواتِ الشاءِ؛ قال ذو الرمة‏:‏

لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا ما تَخَوَّنَهُ

داعٍ يُناديه، باسْم الماء، مَبْغُومُ

وماءِ‏:‏ حكايةُ صوتِ الشاةِ مبني على الكسر‏.‏ وحكى الكسائي‏:‏ باتَتِ الشاءُ

ليلَتَها ما ما وماهْ وماهْ، وهو حكاية صوتها‏.‏ وزعم الخليل أَن مَهْما ما ضُمَّت إِليها ما لَغْواً، وأَبدلوا الأَلف هاء‏.‏ وقال سيبويه‏:‏ يجوز أن تكون كإِذْ ضُمَّ إِليها

ما؛ وقول حسان بن ثابت‏:‏

إِمَّا تَرَيْ رَأْسي تَغَيَّرَ لَوْنُه

شَمَطاً، فأَصْبَحَ كالنَّغامِ المُخْلِس

يعني إِن تَرَيْ رأْسي، ويدخُل بعدها النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ كقولك‏:‏

إِما تَقُومَنَّ أَقُمْ وتَقُوماً، ولو حذفت ما لم تقل إِلاَّ إِنْ لم تَقُمْ أَقُمْ ولم تنوّن، وتكون إِمّا في معنى المُجازاة لأَنه إِنْ قد

زِيدَ عليها ما، وكذلك مَهْما فيها معنى الجزاء‏.‏ قال ابن بري‏:‏ وهذا مكرر

يعني قوله إِما في معنى المُجازاة ومهما‏.‏ وقوله في الحديث‏:‏ أَنْشُدُكَ بالله لَمَّا فعلت كذا أَي إِلاَّ فَعَلْته، وتخفف الميم وتكون ما زائدة، وقرئ بهما قوله تعالى‏:‏ إِنَّ كلُّ نَفْسٍ لَمَّا عليها حافظ؛ أَي ما كلُّ

نَفْسٍ إِلا عليها حافظ وإِنْ كلُّ نَفْسٍ لعَلَيْها حافِظٌ‏.‏

متى‏:‏ متَى‏:‏ كلمة استفهامٍ عن وقت أَمر، وهو اسم مُغْنٍ عن الكلام الكثير

المُتناهي في البُعْدِ والطول، وذلك أَنك إِذا قلت متى تقومُ أَغْناكَ

ذلك عن ذكر الأَزْمِنة على بُعْدها، ومَتى بمعنى في، يقال‏:‏ وضعته مَتى

كُمِّي أَي في كُمِّي؛ ومَتى بمعنى مِنْ؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ‏:‏

أَخْيَلَ بَرْقاً مَتى حابٍ له زَجَلٌ، إِذا تَفَتَّرَ من تَوماضِه حَلَجا

وقضى ابن سيده عليها بالياء، قال‏:‏ لأَن بعضهم حكى الإِمالة فيه مع أن أَلفها لام، قال‏:‏ وانقلاب الأَلف عن الياء لاماً أَكثر‏.‏ قال الجوهري‏:‏

مَتَى ظرف غير مُتَمَكِّن وهو سؤال عن زمان ويُجازى به‏.‏ الأَصمعي‏:‏ متى في لغة

هذيل قد يكون بمعنى مِن؛ وأَنشد لأَبي ذؤيب‏:‏

شَرِبْنَ بماء البحرِ ثم تَرَفَّعَتْ

مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ، لَهُنَّ نَئِيجُ

أَي من لُجَجٍ؛ قال‏:‏ وقد تكون بمعنى وسَط‏.‏ وسمع أَبو زيد بعضهم يقول‏:‏

وَضَعْتُه متى كُمِّي أَي في وَسَط كُمِّي، وأَنشد بيت أَبي ذؤيب أَيضاً، وقال‏:‏ أَراد وسَطَ لُجَجٍ‏.‏ التهذيب‏:‏ متى مِن حروفِ المعاني ولها وُجُوه

شَتَّى‏:‏ أَحدها أَنه سؤال عن وقتِ فِعْل فُعِلَ أَو يُفْعَلُ كقولك متى

فَعَلْتَ ومتى تَفْعَلُ أَي في أَي وقت، والعربُ تجازي بها كما تُجازي بأَيّ

فتَجْزِمُ الفِعْلين تقول مَتى تأْتِني آتِك، وكذلك إِذا أَدخلت عليها

ما كقولك متى ما يأْتِني أَخوك أُرْضِه، وتجيء متى بمعنى الاسْتِنكارِ

تقول للرجل إِذا حكى عنك فِعْلاً تُنْكِرُه متى كان هذا على معنى الإِنكار

والنفي أَي ما كان هذا؛ وقال جرير‏:‏

مَتى كان حُكْمُ اللهِ في كَرَبِ النَّخْلِ

وقال الفراء‏:‏ متى يقَعُ على الوَقت إِذا قلْتَ متى دَخَلْتِ الدار فأَنت

طالق أَي أَيَّ وقت دَخَلْتِ الدار، وكُلَّما تقع على الفعل إِذا قلت

كلما دخلتِ الدار فمعناه كلَّ دَخْلَةٍ دَخَلْتِها، هذا في كتاب الجَزاء؛ قال الأزهري‏:‏ وهو صحيح‏.‏ ومَتى يَقَعُ للوقت المُبْهَم‏.‏ وقال ابن الأَنباري‏:‏ متى حَرْفُ استفهام يُكْتَب بالياء، قال الفراء‏:‏ ويجوز أَن تُكْتَب

بالأَلف لأَنها لا تُعْرَفُ فعْلاً، قال‏:‏ ومَتى بمعنى مِنْ؛ وأنشد‏:‏

إِذا أقولُ صَحا قَلْبي أُتِيحَ لَه

سُكْرٌ مَتى قَهْوةٍ سارَت إِلى الرَّاسِ

أَي من قَهْوةٍ؛ وأَنشد‏:‏

مَتى ما تُنْكِروها تَعْرِفُوها

متى أَقْطارِها علق نفيت

أَراد من أَقطارها نفيت أَي منفرج؛ وأَما قول امرئ القيس‏:‏

مَتى عَهْدُنا بِطِعانِ الكُما

ةِ والمَجْدِ والحَمدِ والسُّودَدِ

يقول‏:‏ متى لم يكن كذلك، يقول‏:‏ تَرَوْنَ أَنَّا لا نُحْسِنُ طَعْنَ

الكُماةِ وعَهْدُنا به قريب؛ ثم قال‏:‏

وبَنْيِ القِبابِ ومَلْءِ الجفا

نِ، والنارِ والحَطَبِ المُوقَدِ

ها‏:‏ الهاء‏:‏ بفخامة الأَلف‏:‏ تنبيهٌ، وبإمالة الأَلف حرفُ هِجاء‏.‏ الجوهري‏:‏

الهاء حرف من حروف المُعْجَمِ، وهي من حُروف الزِّيادات، قال‏:‏ وها حرفُ

تنبيه‏.‏ قال الأَزهري‏:‏ وأَما هذا إِذا كان تنْبيهاً فإِن أَبا الهيثم قال‏:‏ ها تَنْبِيهٌ تَفْتَتِحُ العرب بها الكلام بلا معنى سوى الافتتاح، تقولُ‏:‏ هذا أَخوك، ها إِنَّ ذا أَخُوكَ؛ وأَنشد النابغة‏:‏

ها إِنَّ تا عِذْرةٌ إِلاَّ تَكُنْ نَفَعَتْ، فإِنَّ صاحِبَها قد تَاهَ في البَلَدِ

وتقول‏:‏ ها أَنتم هَؤلاء تجمع بين التنبيهين للتوكيد، وكذلك أَلا يا

هؤلاء وهو غير مُفارق لأَيّ، تقول‏:‏ يا أَيُّها الرَّجُل، وها‏:‏ قد تكون تلبية؛ قال الأَزهري‏:‏

يكون جواب النداء، يمد ويقصر؛ قال الشاعر‏:‏

لا بَلْ يُجِيبُك حينَ تَدْعو باسمِه، فيقولُ‏:‏ هاءَ، وطالَما لَبَّى

قال الأَزهري‏:‏ والعرب تقول أَيضاً ها إِذا أَجابوا داعِياً، يَصِلُون

الهاء بأَلف تطويلاً للصوت‏.‏ قال‏:‏ وأَهل الحجاز يقولون في موضع لَبَّى في الإِجابة لَبَى خفيفة، ويقولون ايضاً في هذا المعنى هَبَى، ويقولون ها

إِنَّك زيد، معناه أَإِنك زيد في الاستفهام، ويَقْصُرُونَ فيقولون‏:‏ هإِنَّك

زيد، في موضع أَإِنك زيد‏.‏ ابن سيده‏:‏ الهاء حَرف هِجاءٍ، وهو حرف مَهْمُوس

يكون أَصلاً وبدلاً وزائداً، فالأَصل نحو هِنْدَ وفَهْدٍ وشِبْهٍ، ويبدل

من خمسة أَحرف وهي‏:‏ الهمزة والأَلف والياء والواو والتاء، وقضى عليها ابن سيده أَنها من هـ و ي، وذكر علة ذلك في ترجمة حوي‏.‏ وقال سيبويه‏:‏ الهاء

وأَخواتها من الثنائي كالباء والحاء والطاء والياء إِذا تُهجِّيت

مَقْصُورةٌ، لأَنها ليست بأَسماء وإِنما جاءَت في التهجي على الوقف، قال‏:‏

ويَدُلُّك على ذلك أَن القافَ والدال والصاد موقوفةُ الأَواخِر، فلولا أَنها على

الوقف لحُرِّكَتْ أَواخِرُهُنَّ، ونظير الوقف هنا الحذفُ في الهاء

والحاء وأَخواتها، وإِذا أَردت أَن تَلْفِظَ بحروف المعجم قَصَرْتَ

وأَسْكَنْتَ، لأَنك لست تريد أَن تجعلها أَسماء، ولكنك أَردت أَن تُقَطِّع حُروف

الاسم فجاءَت كأَنها أَصوات تصَوِّتُ بها، إِلا أَنك تَقِفُ عندها بمنزلة

عِهْ، قال‏:‏ ومن هذا الباب لفظة هو، قال‏:‏ هو كناية عن الواحد المذكر؛ قال الكسائي‏:‏ هُوَ أَصله أَن يكون على ثلاثة أَحرف مثل أَنت فيقال هو فَعَلَ ذلك، قال‏:‏ ومن العرب من يُخَفِّفه فيقول هُوَ فعل ذلك‏.‏ قال اللحياني‏:‏

وحكى الكسائي عن بني أَسَد وتميم وقيسٍ هُو فعل ذلك، بإسكان الواو؛ وأَنشد

لعَبيد‏:‏

ورَكْضُكَ لوْلا هُو لَقِيتَ الذي لَقُوا، فأَصْبَحْتَ قد جاوَزْتَ قَوْماً أَعادِيا

وقال الكسائي‏:‏ بعضهم يُلقي الواور من هُو إِذا كان قبلها أَلف ساكنة

فيقول حتَّاهُ فعل ذلك وإِنَّماهُ فعل ذلك؛ قال‏:‏ وأَنشد أَبو خالد

الأَسدي‏:‏ إِذاهُ لم يُؤْذَنْ له لَمْ يَنْبِس

قال‏:‏ وأَنشدني خَشَّافٌ‏:‏

إِذاهُ سامَ الخَسْفَ آلَى بقَسَمْ

باللهِ لا يَأْخُذُ إِلاَّ ما احْتَكَمْ

قال‏:‏ وأَنشدنا أَبو مُجالِدٍ للعُجَير السَّلولي‏:‏

فبَيَّناهُ يَشْري رَحْلَه قال قائلٌ‏:‏

لِمَنْ جَمَلٌ رَثُّ المَتاعِ نَجِيبُ‏؟‏

قال ابن السيرافي‏:‏ الذي وجد في شعره رِخْوُ المِلاطِ طَوِيلُ؛ وقبله‏:‏

فباتتْ هُمُومُ الصَّدْرِ شتى يَعُدْنَه، كما عِيدَ شلْوٌ بالعَراءِ قَتِيلُ

وبعده‏:‏

مُحَلًّى بأَطْواقٍ عِتاقٍ كأَنَّها

بَقايا لُجَيْنٍ، جَرْسُهنَّ صَلِيلُ

وقال ابن جني‏:‏ إِنما ذلك لضرورة في الشعر وللتشبيه للضمير المنفصل

بالضمير المتصل في عَصاه وقَناه، ولم يقيد الجوهري حذفَ الواو من هُوَ بقوله

إِذا كان قبلها أَلف ساكنة بل قال وربما حُذِفت من هو الواو في ضرورة

الشعر، وأَورد قول الشاعر‏:‏ فبيناه يشري رحله؛ قال‏:‏ وقال آخر‏:‏

إِنَّه لا يُبْرِئُ داءَ الهُدَبِدْ

مِثْلُ القَلايا مِنْ سَنامٍ وكَبِدْ

وكذلك الياء من هي؛ وأَنشد‏:‏

دارٌ لِسُعْدَى إِذْهِ مِنْ هَواكا

قال ابن سيده‏:‏ فإِن قلت فقد قال الآخر‏:‏

أَعِنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهو فوقف بالواو وليست اللفظة قافيةً، وهذه المَدَّة مستهلكة في حال الوقف‏؟‏

قيل‏:‏ هذه اللفظة وإِن لم تكن قافيةً فيكون البيتُ بها مُقَفًّى

ومُصَرَّعاً، فإِن العرب قد تَقِفُ على العَروض نحواً من وُقوفِها على الضَّرْب، وذلك لوقُوفِ الكلام المنثور عن المَوْزُون؛ أَلا تَرَى إِلى قوله

أَيضاً‏:‏ فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفةٍ

فوقف بالتنوين خلافاً للوُقوف في غير الشعر‏.‏ فإِن قلت‏:‏ فإِنَّ أَقْصَى

حالِ كُتَيْفةٍ إِذ ليس قافيةً أَن يُجْرى مُجْرى القافية في الوقوف

عليها، وأَنت ترى الرُّواةَ أَكثرَهم على إِطلاقِ هذه القصيدة ونحوها بحرف

اللِّين نحو قوله فحَوْمَلي ومَنْزِلي، فقوله كُتَيْفة ليس على وقف الكلام

ولا وَقْفِ القافيةِ‏؟‏ قيل‏:‏ الأَمرُ على ما ذكرته من خلافِه له، غير أن الأَمر أَيضاً يختص المنظوم دون المَنْثُور لاستمرار ذلك عنهم؛ أَلا ترى

إِلى قوله‏:‏

أَنَّى اهْتَدَيْتَ لتَسْلِيمٍ على دِمَنٍ، بالغَمْرِ، غَيَّرَهُنَّ الأَعْصُرُ الأُوَلُ

وقوله‏:‏

كأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ، غُدْوةً، خَلايا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ

ومثله كثير، كلُّ ذلك الوُقوفُ على عَرُوضِه مخالف للوُقوف على ضَرْبه، ومخالفٌ أَيضاً لوقوف الكلام غير الشعر‏.‏ وقال الكسائي‏:‏ لم أَسمعهم يلقون

الواو والياء عند غير الأَلف، وتَثْنِيَتُه هما وجمعُه هُمُو، فأَما

قوله هُم فمحذوفة من هُمُو كما أَن مُذْ محذوفة من مُنْذُ، فأَما قولُك

رأَيْتُهو فإِنَّ الاسام إِنما هو الهاء وجيء بالواو لبيان الحركة، وكذلك

لَهْو مالٌ إِنما الاسم منها الهاء والواو لما قدَّمنا، ودَلِيلُ ذلك أَنَّك

إِذا وقفت حذفت الواو فقلت رأَيته والمالُ لَهْ، ومنهم من يحذفها في الوصل مع الحركة التي على الهاء ويسكن الهاء؛ حكى اللحياني عن الكسائي‏:‏ لَهْ

مالٌ أَي لَهُو مالٌ؛ الجوهري‏:‏ وربما حذفوا الواو مع الحركة‏.‏ قال ابن سيده‏:‏ وحكى اللحياني لَهْ مال بسكون الهاء، وكذلك ما أَشبهه؛ قال يَعْلَى

بن الأَحْوَلِ‏:‏

أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونَه شَرَوانِ

يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ كُلَّ يَمانِ

فظَلْتُ لَدَى البَيْتِ العَتِيقِ أُخِيلُهو، ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهْ أَرِقانِ

فَلَيْتَ لَنا، مِنْ ماء زَمْزَمَ، شَرْبةً

مُبَرَّدةً باتَتْ على طَهَيانِ

قال ابن جني‏:‏ جمع بين اللغتين يعني إِثْبات الواو في أُخِيلُهو وإِسكان

الهاء في لَهْ،وليس إِسكان الهاء في له عن حَذْف لَحِقَ الكلمة بالصنعة، وهذا في لغة أَزْد السَّراة كثير؛ ومثله ما روي عن قطرب من قول الآخر‏:‏

وأَشْرَبُ الماء ما بي نَحْوَهُو عَطَشٌ

إِلاَّ لأَنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وادِيها

فقال‏:‏ نَحْوَهُو عطش بالواو، وقال عُيُونَهْ بإِسكان الواو؛ وأَما قول

الشماخ‏:‏

لَهُ زَجَلٌ كأَنَّهُو صَوْتُ حادٍ، إِذا طَلَبَ الوَسِيقةَ، أَوْ زَمِيرُ

فليس هذا لغتين لأَنا لا نعلم رِوايةً حَذْفَ هذه الواوِ وإِبقاء الضمةِ

قبلها لُغةً، فينبغي أَن يكون ذلك ضَرُورةً وصَنْعةً لا مذهباً ولا لغة، ومثله الهاء من قولك بِهِي هي الاسم والياء لبيان الحركة، ودليل ذلك

أَنك إِذا وقفت قلت بِهْ، ومن العرب من يقول بِهِي وبِهْ في الوصل‏.‏ قال اللحياني‏:‏ قال الكسائي سمعت أَعراب عُقَيْل وكلاب يتكلمون في حال الرفع

والخفض وما قبل الهاء متحرك، فيجزمون الهاء في الرفع ويرفعون بغير تمام، ويجزمون في الخفض ويخفضون بغير تمام، فيقولون‏:‏ إِنَّ الإِنسانَ لِرَبه لَكَنُودٌ، بالجزم، ولِرَبِّه لكَنُودٌ، بغير تمام، ولَهُ مالٌ ولَهْ مالٌ، وقال‏:‏ التمام أَحب إِليَّ ولا ينظر في هذا إِلى جزم ولا غيره لأن الإِعراب إِنما يقع فيما قبل الهاء؛ وقال‏:‏ كان أَبو جعفر قارئ أَهل المدينة

يخفض ويرفع لغير تمام؛ وقال أَنشدني أَبو حزام العُكْلِي‏:‏

لِي والِدٌ شَيْخٌ تَهُضُّهْ غَيْبَتِي، وأَظُنُّ أَنَّ نَفادَ عُمْرِهْ عاجِلُ

فخفف في موضعين، وكان حَمزةُ وأَبو عمرو يجزمان الهاء في مثل يُؤدِّهْ

إِليك ونُؤْتِهْ مِنها ونُصْلِهْ جَهَنَّمَ، وسمع شيخاً من هَوازِنَ يقول‏:‏

عَلَيْهُ مالٌ، وكان يقول‏:‏ عَلَيْهُم وفِيهُمْ وبِهُمْ، قال‏:‏ وقال الكسائي هي لغات يقال فيهِ وفِيهِي وفيهُ وفِيهُو، بتمام وغير تمام، قال‏:‏ وقال لا يكون الجزم في الهاء إِذا كان ما قبلها ساكناً‏.‏ التهذيب‏:‏ الليث هو كناية تذكيرٍ، وهي كنايةُ تأْنيثٍ، وهما للاثنين، وهم للجَماعة من الرجال، وهُنَّ للنساء، فإِذا وقَفْتَ على هو وَصَلْتَ الواو فقلت هُوَهْ، وإِذا

أَدْرَجْتَ طَرَحْتَ هاء الصِّلةِ‏.‏ وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال‏:‏

مَرَرْتُ بِهْ ومررت بِهِ ومررت بِهِي، قال‏:‏ وإِن شئت مررت بِهْ وبِهُ وبِهُو، وكذلك ضَرَبه فيه هذه اللغات، وكذلك يَضْرِبُهْ ويَضْرِبه ويَضْرِبُهُو، فإِذا أَفردت الهاء من الاتصال بالاسم أَو بالفعل أَو بالأَداة

وابتدأْت بها كلامك قلت هو لكل مذكَّر غائب، وهي لكل مؤنثة غائبة، وقد جرى

ذِكْرُهُما فزِدْتَ واواً أَو ياء استثقالاً للاسم على حرف واحد، لأَن الاسم

لا يكون أَقلَّ من حرفين، قال‏:‏ ومنهم مَن يقول الاسم إِذا كان على حرفين

فهو ناقِصٌ قد ذهب منه حَرْفٌ، فإِن عُرف تَثْنِيَتُه وجَمْعُه

وتَصْغِيرُه وتَصْريفه عُرِفَ النَّاقِصُ منه، وإِن لم يُصَغَّر ولم يُصَرَّفْ ولم يُعْرَفْ له اشتِقاقٌ زيدَ فيه مثل آخره فتقول هْوَّ أَخوك، فزادوا مع

الواو واواً؛ وأَنشد‏:‏

وإِنَّ لِسانِي شُهْدةٌ يُشْتَفَى بِها، وهُوَّ علَى مَنْ صَبَّه اللهُ عَلْقَمُ

كما قالوا في مِن وعَن ولا تَصْرِيفَ لَهُما فقالوا مِنِّي أَحْسَنُ من مِنِّكَ، فزادوا نوناً مع النون‏.‏ أَبو الهيثم‏:‏ بنو أَسد تُسَكِّن هي وهُو فيقولون هُو زيدٌ وهِي هِنْد، كأَنهم حذفوا المتحرك، وهي قالته وهو قاله؛ وأَنشد‏:‏

وكُنَّا إِذا ما كانَ يَوْمُ كَرِيهةٍ، فَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي وهُو فَتَيانِ

فأَسكن‏.‏ ويقال‏:‏ ماهُ قالَه وماهِ قالَتْه، يريدون‏:‏ ما هُو وما هِيَ؛ وأَنشد‏:‏

دارٌ لسَلْمَى إِذْهِ مِنْ هَواكا

فحذف ياء هِيَ‏.‏ الفراء‏:‏ يقال إِنَّه لَهْوَ أَو الحِذْلُ

عَنَى

اثْنَيْنِ، وإِنَّهُمْ لَهُمْ أَو الحُرَّةُ دَبِيباً، يقال هذا إِذا أَشكل عليك

الشيء فظننت الشخص شخصين‏.‏ الأَزهري‏:‏ ومن العرب من يشدد الواو من هو والياء من هِيَّ؛ قال‏:‏

أَلا هِيْ أَلا هِي فَدَعْها، فَإِنَّما

تَمَنِّيكَ ما لا تَسْتَطِيعُ غُروزُ

الأَزهري‏:‏ سيبويه وهو قول الخليل إِذا قلت يا أَيُّها الرجل فأَيُّ اسم

مبهم مبني على الضمّ لأَنه منادى مُفْرَدٌ، والرجل صِفة لأَيّ، تقول يا

أَيُّها الرَّجلُ أَقْبِلْ، ولا يجوز يا الرجلُ لأَنَّ يا تَنْبيهٌ بمنزلة

التعريف في الرجل ولا يجمع بين يا وبين الأَلف واللام، فتَصِلُ إِلى

الأَلف واللام بأَيٍّ، وها لازِمةٌ لأَيٍّ للتنبيه، وهي عِوَضٌ من الإِضافة

في أَيٍّ لأَن أَصل أَيٍّ أَن تكون مضافةً إِلى الاستفهام والخبر‏.‏ وتقول

للمرأَةِ‏:‏ يا أَيَّتُها المرأَةُ، والقرّاء كلهم قَرَؤُوا‏:‏ أَيُّها ويا

أَيُّها الناسُ وأَيُّها المؤمنون، إِلا ابنَ عامر فإِنه قرأَ أَيُّهُ

المؤمنون، وليست بجَيِّدةٍ، وقال ابن الأَنباري‏:‏ هي لغة؛ وأَما قول

جَرير‏:‏ يقولُ لي الأَصْحابُ‏:‏ هل أَنتَ لاحِقٌ

بأَهْلِكَ‏؟‏ إِنَّ الزَّاهِرِيَّةَ لا هِيا

فمعنى لا هِيا أَي لا سبيل إِليها، وكذلك إِذا ذكَر الرجل شيئاً لا سبيل

إِليه قال له المُجِيبُ‏:‏ لا هُوَ أَي لا سبيل إِليه فلا تَذْكُرْهُ‏.‏

ويقال‏:‏ هُوَ هُوَ أَي هَوَ مَن قد عرَفْتُهُ‏.‏ ويقال‏:‏ هِيَ هِيَ أَي هي الداهِيةُ التي قد عَرَفْتُها، وهم هُمْ أَي هُمُ الذين عَرَفْتُهم؛ وقال الهذلي‏:‏

رَفَوْني وقالوا‏:‏ يا خُوَيْلِدُ لَم تُرَعْ‏؟‏

فقُلتُ وأَنْكَرْتُ الوجوهَ‏:‏ هُمُ هُمُ

وقول الشنفرى‏:‏

فإِنْ يكُ مِن جِنٍّ لأَبْرَحُ طارِقاً، وإِنْ يَكُ إِنْساً ما كَها الإِنْسُ تَفْعَلُ

أَي ما هكذا الإِنْسُ تَفْعَل؛ وقول الهذلي‏:‏

لَنا الغَوْرُ والأَعْراضُ في كلِّ صَيْفةٍ، فذَلِكَ عَصْرٌ قد خَلا ها وَذا عَصْرُ

أَدخلَ ها التنبيه؛ وقال كعب‏:‏

عادَ السَّوادُ بَياضاً في مَفارقِهِ، لا مَرْحَباً ها بذا اللَّوْنِ الذي رَدَفا

كأَنه أَراد لا مَرْحَباً بهذا اللَّوْنِ، فَفَرَقَ بين ها وذا بالصِّفة

كما يفْرُقون بينهما بالاسم‏:‏ ها أَنا وها هو ذا‏.‏ الجوهري‏:‏ والهاء قد

تكون كِنايةً عن الغائبِ والغائِبة، تقول‏:‏ ضَرَبَه وضَرَبها، وهو للمُذكَّر، وهِيَ للمُؤنثِ، وإِنما بَنَوا الواوَ في هُوَ والياء في هِيَ على الفتح

ليَفْرُقُوا بين هذه الواو والياء التي هِيَ مِن نَفْسِ الاسم

المَكْنِيِّ وبين الواو والياء اللتين تكونان صلة في نحو قولك رأَيْتُهو ومَرَرْتُ

بِهِي، لأَن كل مَبْنِيّ فحقه أَن يُبْنى على السكون، إِلا أَن تَعْرِضَ

عِلَّة تُوجِبُ الحَركة، والذي يَعْرِضُ ثلاثةُ أَشياء‏:‏ أَحَدُها

اجتماعُ الساكِنَيْنِ مِثْلُ كيف وأَيْن، والثاني كونه على حَرْف واحد مثل

الباء الزائدة، والثالثُ الفَرْقُ بينه وبين غيره مثل الفِعل الماضِي يُبْنى

على الفتح، لأَنه ضارَعَ بعضَ المُضارعةِ فَفُرِقَ بالحَركة بينه وبين ما لم يُضارِعْ، وهو فِعْلُ الأَمْرِ المُواجَهِ به نحو افْعَلْ؛ وأَما

قولُ الشاعر‏:‏

ما هِيَ إِلا شَرْبةٌ بالحَوْأَبِ، فَصَعِّدِي مِنْ بَعْدِها أَو صَوِّبي

وقول بنت الحُمارِس‏:‏

هَلْ هِيَ إِلاَّ حِظةٌ أَو تَطْلِيقْ، أَو صَلَفٌ مِنْ بَينِ ذاكَ تَعْلِيقْ‏؟‏

فإِنَّ أَهل الكوفة قالوا هي كِنايةٌ عن شيء مجهول، وأَهل البَصرة

يَتأَوَّلُونها القِصَّة؛ قال ابن بري‏:‏ وضمير القصة والشأْن عند أَهل البصرة

لا يُفَسِّره إِلا الجماعةُ دون المُفْرَد‏.‏ قال الفراء‏:‏ والعرب تَقِفُ على

كل هاءِ مؤنَّث بالهاء إِلا طَيِّئاً فإِنهم يَقِفون عليها بالتاء

فيقولون هذِ أَمَتْ وجاريَتْ وطَلْحَتْ، وإِذا أَدْخَلْتَ الهاء في النُّدْبة

أَثْبَتَّها في الوقْف وحذفْتها في الوصل، ورُبما ثبتت في ضرورة الشعر

فتُضَمُّ كالحَرْف الأَصليّ؛ قال ابن بري‏:‏ صوابه فتُضَمُّ كهاء الضمير في عَصاهُ ورَحاهُ، قال‏:‏ ويجوز كسره لالتقاء الساكنين، هذا على قول أَهل

الكوفة؛ وأَنشد الفراء‏:‏

يا ربِّ يا رَبَّاهُ إِيَّاكَ أَسَلْ

عَفْراء، يا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأَجلْ

وقال قيس بنُ مُعاذ العامري، وكان لمَّا دخلَ مكة وأَحْرَمَ هو ومن معه

من الناس جعل يَسْأَلُ رَبَّه في لَيْلى، فقال له أَصحابه‏:‏ هَلاَّ سأَلتَ الله في أَن يُريحَكَ من لَيْلى وسأَلْتَه المَغْفرةَ فقال‏:‏

دَعا المُحْرمُونَ اللهَ يَسْتَغْفِرُونَه، بِمكَّةَ، شُعْثاً كَيْ تُمحَّى ذُنُوبُها

فَنادَيْتُ‏:‏ يا رَبَّاهُ أَوَّلَ سَأْلَتي

لِنَفْسِيَ لَيْلى، ثم أَنْتَ حَسِيبُها

فإِنْ أُعْطَ لَيْلى في حَياتِيَ لا يَتُبْ، إِلى اللهِ، عَبْدٌ تَوْبةً لا أَتُوبُها

وهو كثير في الشعر وليس شيء منه بحُجة عند أَهل البصرة، وهو خارجٌ عن

الأَصل، وقد تزاد الهاء في الوقف لبيان الحركة نحو لِمَهْ وسُلْطانِيَهْ

ومالِيَهْ وثُمَّ مَهْ، يعني ثُمَّ ماذا، وقد أَتَتْ هذه الهاء في ضرورة

الشعر كما قال‏:‏

هُمُ القائلونَ الخَيرَ والآمِرُونَهُ، إِذا ما خَشَوْا مِن مُعْظَمِ الأَمرِ مُفْظِعا

فأَجْراها مُجْرَى هاء الإِضمار، وقد تكون الهاء بدلاً من الهمزة مثل

هَراقَ وأَراقَ‏.‏ قال ابن بري‏:‏ ثلاثة أَفعال أَبْدَلوا من همزتها هاء، وهي‏:‏

هَرَقْت الماء، وهَنَرْتُ الثوب

وهَرَحْتُ الدابَّةَ، والعرب يُبْدِلون أَلف الاستفهام هاء؛ قال الشاعر‏:‏

وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ‏:‏ هذا الذي

مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا

يعني أَذا الذي، وها كلمة تنبيه، وقد كثر دخولها في قولك ذا وذِي فقالوا

هذا وهَذِي وهَذاك وهَذِيك حتى زعم بعضهم أَنَّ ذا لما بَعُدَ وهذا لما

قَرُبَ‏.‏ وفي حديث عليّ، رضي الله عنه‏:‏ ها إِنَّ هَهُنا عِلْماً، وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلى صَدْرِه، لو أَصَبْتُ له حَمَلةً؛ ها، مَقْصورةً‏:‏ كلمةُ

تَنبيه للمُخاطَب يُنَبَّه بها على ما يُساقُ إِليهِ مِنَ الكلام‏.‏ وقالوا‏:‏

ها السَّلامُ عليكم، فها مُنَبِّهَةٌ مؤَكِّدةٌ؛ قال الشاعر‏:‏

وقَفْنا فقُلنا‏:‏ ها السَّلامُ عليكُمُ

فأَنْكَرَها ضَيقُ المَجَمِّ غَيُورُ

وقال الآخر‏:‏

ها إِنَّها إِنْ تَضِقِ الصُّدُورُ، لا يَنْفَعُ القُلُّ ولا الكَثِيرُ

ومنهم من يقول‏:‏ ها اللهِ، يُجْرَى مُجْرى دابَّةٍ في الجمع بين ساكنين، وقالوا‏:‏ ها أَنْتَ تَفْعَلُ كذا‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ ها أَنْتم

هَؤُلاءِ وهأَنْتَ، مقصور‏.‏ وها، مقصور‏:‏ للتَّقْريب، إِذا قيل لك أَيْنَ أَنْتَ

فقل ها أَنا ذا، والمرأَةُ تقول ها أَنا ذِهْ، فإِن قيل لك‏:‏ أَيْنَ فلان‏؟‏

قلتَ إِذا كان قريباً‏:‏ ها هُو ذا، وإِن كان بَعِيداً قلت‏:‏ ها هو ذاك، وللمرأَةِ إِذا كانت قَريبة‏:‏ ها هي ذِهْ، وإِذا كانت بعيدة‏:‏ ها هي تِلْكَ، والهاءُ تُزادُ في كلامِ العرب على سَبْعة أَضْرُب‏:‏ أَحدها للفَرْقِ

بين الفاعل والفاعِلة مثل ضارِبٍ وضارِبةٍ، وكَريمٍ وكَرِيمةٍ، والثاني

للفرق بين المُذَكَّر والمُؤَنث في الجنس نحو امْرئٍ وامرأَةٍ، والثالث

للفرق بين الواحد والجمع مثل تَمْرة وتَمْر وبَقَرةٍ وبَقَر، والرابع

لتأْنيث اللفظة وإِن لم يكن تحتَها حَقيقةُ تَأْنيث نحو قِرْبةٍ وغُرْفةٍ، والخامس للمُبالَغةِ مثل عَلاَّمةٍ ونسّابةٍ في المَدْح وهِلْباجةٍ وفَقاقةٍ

في الذَّمِّ، فما كان منه مَدْحاً يذهبون بتأْنيثه إِلى تأْنيث الغاية

والنِّهاية والداهِية، وما كان ذَمّاً يذهبون فيه إِلى تأْنيث البَهِيمةِ، ومنه ما يستوي فيه المذكر والمؤنث نحو رَجُل مَلُولةٌ وامرأَةٌ مَلُولةٌ، والسادس ما كان واحداً من جنس يقع على المذكر والأُنثى نحو بَطَّة

وحَيَّة، والسابع تدخل في الجمع لثلاثة أَوجه‏:‏ أَحدها أَن تدل على النَّسب نحو

المَهالِبة، والثاني أَن تَدُلَّ على العُجْمةِ نحو المَوازِجةِ

والجَوارِبةِ وربما لم تدخل فيه الهاء كقولهم كَيالِج، والثالث أَن تكون عوضاً

من حرف محذوف نحو المَرازِبة والزَّنادِقة والعَبادِلةِ، وهم عبدُ الله بن عباس وعبدُ الله بنُ عُمَر وعبدُ الله بنُ الزُّبَيْر‏.‏ قال ابن بري‏:‏

أَسقط الجوهري من العَبادِلة عبدَ اللهِ بنَ عَمْرو بن العاص، وهو الرابع، قال الجوهري‏:‏ وقد تكون الهاء عِوضاً من الواو الذاهِبة من فاء الفعل نحو

عِدةٍ وصِفةٍ، وقد تكون عوضاً من الواو والياء الذاهبة من عَيْن الفعل

نحو ثُبةِ الحَوْضِ، أَصله من ثابَ الماءُ يَثُوبُ ثَوْباً، وقولهم أَقام

إِقامةً وأَصله إِقْواماً، وقد تكون عوضاً من الياء الذاهبة من لام الفعل

نحو مائِةٍ ورِئةٍ وبُرةٍ، وها التَّنبيهِ قد يُقْسَمُ بها فيقال‏:‏ لاها الله ا فَعَلتُ أَي لا واللهِ، أُبْدِلَتِ الهاء من الواو، وإِن شئت حذفت

الأَلف التي بعدَ الهاء، وإِن شئت أَثْبَتَّ، وقولهم‏:‏ لاها اللهِ ذا، بغير أَلفٍ، أَصلُه لا واللهِ هذا ما أُقْسِمُ به، ففَرقْتَ بين ها وذا

وجَعَلْتَ اسم الله بينهما وجَرَرْته بحرف التنبيه، والتقدير لا واللهِ ما فعَلْتُ هذا، فحُذِفَ واخْتُصِر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقُدِّم ها

كما قُدِّم في قولهم ها هُو ذا وهأَنَذا؛ قال زهير‏:‏

تَعَلَّماً ها لَعَمْرُ اللهِ ذا قَسَماً، فاقْصِدْ بذَرْعِكَ وانْظُرْ أَينَ تَنْسَلِكُ

وفي حديث أَبي قَتادةَ، رضي الله عنه، يومَ حُنَينٍ‏:‏ قال أَبو بكر، رضي الله عنه‏:‏ لاها اللهِ إِذاً لا يَعْمِدُ إِلى أَسَدٍ من أُسْدِ الله يُقاتِلُ عن اللهِ ورسولِه فيُعْطِيكَ سَلَبَه؛ هكذا جاء الحديث لاها الله إِذاً، والصواب لاها اللهِ ذا بحذف الهمزة، ومعناه لا واللهِ لا يكونُ ذا

ولا واللهِ الأَمرُ ذا، فحُذِفَ تخفيفاً، ولك في أَلف ها مَذْهبان‏:‏ أَحدهما

تُثْبِتُ أَلِفَها لأَن الذي بعدها مُدْغَمٌ مثلُ دابةٍ، والثاني أن تَحْذِفَها لالتقاء الساكنين‏.‏

وهاءِ‏:‏ زَجْرٌ للإِبل ودُعاء لها، وهو مبني على الكسر إِذا مدَدْتَ، وقد

يقصر، تقول هاهَيْتُ بالإِبل إِذا دَعَوْتَها كما قلناه في حاحَيْتُ، ومن قال ها فحكى ذلك قال هاهَيْتُ‏.‏

وهاءَ أَيضاً‏:‏ كلمة إِجابة وتَلْبِيةٍ، وليس من هذا الباب‏.‏ الأَزهري‏:‏

قال سيبويه في كلام العرب هاءَ وهاكَ بمنزلة حَيَّهلَ وحَيَّهلَك، وكقولهم

النَّجاكَ، قال‏:‏ وهذه الكاف لم تَجِئْ عَلَماً للمأْمورين

والمَنْهِيِّينَ والمُضْمَرِين، ولو كانت علماً لمُضْمَرِين لكانت خطأً لأن المُضْمَرَ هنا فاعِلون، وعلامةُ الفاعلين الواو كقولك افْعَلُوا، وإِنما هذه

الكاف تخصيصاً وتوكيداً وليست باسم، ولو كانت اسماً لكان النَّجاكُ مُحالاً

لأَنك لا تُضِيفُ فيه أَلفاً ولاماً، قال‏:‏ وكذلك كاف ذلكَ ليس باسم‏.‏

ابن المظفر‏:‏ الهاء حَرْفٌ هَشٌّ لَيِّنٌ قد يَجِيءُ خَلَفاً من الأَلف

التي تُبْنَى للقطع، قال الله عز وجل‏:‏ هاؤُمُ اقْرؤُوا كِتابِيَهْ؛ جاء في التفسير أن الرجل من المؤمنين يُعْطى كِتابه بيَمِينه، فإِذا قرأَه رأَى

فيه تَبْشِيرَه بالجنة فيُعْطِيه أَصْحابَهُ فيقول هاؤُمُ اقْرَؤوا

كِتابي أَي خُذُوه واقْرؤوا ما فِيه لِتَعْلَمُوا فَوْزي بالجنة، يدل على ذلك

قوله‏:‏ إني ظَنَنْتُ، أَي عَلِمْتُ، أَنِّي مُلاقٍ حسابيَهْ فهو في عِيشةٍ راضِيَةٍ‏.‏ وفي هاء بمعنى خذ لغاتٌ معروفة؛ قال ابن السكيت‏:‏ يقال هاءَ

يا رَجُل، وهاؤُما يا رجلانِ، وهاؤُمْ يا رِجالُ‏.‏ ويقال‏:‏ هاءِ يا امرأَةُ، مكسورة بلا ياء، وهائِيا يا امرأَتانِ، وهاؤُنَّ يا نِسْوةُ؛ ولغة

ثانية‏:‏ هَأْ يا رجل، وهاءَا بمنزلة هاعا، وللجمع هاؤُوا، وللمرأَة هائي، وللتثنية هاءَا، وللجمع هَأْنَ، بمنزلة هَعْنَ؛ ولغة أُخرى‏:‏ هاءِ يا رجل، بهمزة مكسورة، وللاثنين هائِيا، وللجمع هاؤُوا، وللمرأَة هائي، وللثنتين

هائِيا، وللجمع هائِينَ، قال‏:‏ وإِذا قلتُ لك هاءَ قلتَ ما أَهاءُ يا هذا، وما

أَهاءُ أَي ما آخُذُ وما أُعْطِي، قال‏:‏ ونحوَ ذلك قال الكسائي، قال‏:‏

ويقال هاتِ وهاءِ أَي أَعْطِ وخذ؛ قال الكميت‏:‏

وفي أَيامِ هاتِ بهاءِ نُلْفَى، إِذا زَرِمَ النَّدَى، مُتَحَلِّبِينا

قال‏:‏ ومن العرب من يقول هاكَ هذا يا رجل، وهاكما هذا يا رجُلان، وهاكُمُ

هذا يا رجالُ، وهاكِ هذا يا امرأَةُ، وهاكُما هذا يا امْرأَتان، وهاكُنَّ يا نِسْوةُ‏.‏ أَبو زيد‏:‏ يقال هاءَ يا رجل، بالفتح، وهاءِ يا رجل بالكسر، وهاءَا للاثنين في اللغتين جميعاً بالفتح، ولم يَكْسِروا في الاثنين، وهاؤُوا في الجمع؛ وأَنشد‏:‏

قُومُوا فَهاؤُوا الحَقَّ نَنْزِلْ عِنْدَه، إِذْ لم يَكُنْ لَكُمْ عَليْنا مَفْخَرُ

ويقال هاءٍ، بالتنوين؛ وقال‏:‏

ومُرْبِحٍ قالَ لي‏:‏ هاءٍ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏

حَيَّاكَ رَبِّي لَقدْ أَحْسَنْتَ بي هائي

قال الأَزهري‏:‏ فهذا جميع ما جاز من اللغات بمعنى واحد‏.‏ وأَما الحديث

الذي جاءَ في الرِّبا‏:‏ لا تَبيعُوا الذِّهَبَ بالذَّهبِ إِلاَّ هاءَ وهاء، فقد اختُلف في تفسيره، فقال بعضهم‏:‏ أَن يَقُولَ كلُّ واحد من المُتَبايِعَيْن هاءَ أَي خُذْ فيُعْطِيه ما في يده ثم يَفْترقان، وقيل‏:‏ معناه هاكَ

وهاتِ أَي خُذْ وأَعْطِ، قال‏:‏ والقول هو الأَولُ‏.‏ وقال الأَزهري في موضع

آخر‏:‏ لا تَشْتَرُوا الذَّهب بالذَّهب إِلاَّ هاءَ وهاء أَي إِلاَّ يَداً

بيدٍ، كما جاء في حديث الآخر يعني مُقابَضةً في المجلس، والأَصلُ فيه هاكَ

وهاتِ كما قال‏:‏

وجَدْتُ الناسَ نائِلُهُمْ قُرُوضٌ

كنَقْدِ السُّوقِ‏:‏ خُذْ مِنِّي وهاتِ

قال الخطابي‏:‏ أَصحاب الحديث يروونه ها وها، ساكنةَ الأَلف، والصواب

مَدُّها وفَتْحُها لأَن أَصلها هاكَ أَي خُذْ، فحُذفَت الكاف وعُوِّضت منها

المدة والهمزة، وغير الخطابي يجيز فيها السكون على حَذْفِ العِوَضِ

وتَتَنزَّلُ مَنْزِلةَ ها التي للتنبيه؛ ومنه حديث عمر لأَبي موسى، رضي الله عنهما‏:‏ ها وإِلاَّ جَعَلْتُكَ عِظةً أَي هاتِ منْ يَشْهَدُ لك على قولك‏.‏

الكسائي‏:‏ يقال في الاستفهام إِذا كان بهمزتين أَو بهمزة مطولة بجعل الهمزة

الأُولى هاء، فيقال هأَلرجُل فَعلَ ذلك، يُريدون آلرجل فَعل ذلك، وهأَنت

فعلت ذلك، وكذلك الذَّكَرَيْنِ هالذَّكَرَيْن، فإِن كانت للاستفهام بهمزة

مقصورة واحدة فإِن أَهل اللغة لا يجعلون الهمزة هاء مثل قوله‏:‏

أَتَّخَذْتُم، أَصْطفى، أَفْتَرى، لا يقولون هاتَّخَذْتم، ثم قال‏:‏ ولو قِيلت

لكانتْ‏.‏ وطيِّءٌ تقول‏:‏ هَزَيْدٌ فعل ذلك، يُريدون أَزيدٌ فَعَلَ ذلك‏.‏ ويقال‏:‏

أَيا فلانُ وهَيا فلانُ؛ وأَما قول شَبيب بن البَرْصاء‏:‏

نُفَلِّقُ، ها مَنْ لم تَنَلْه رِماحُنا، بأَسْيافِنا هامَ المُلوكِ القَماقِمِ

فإِنَّ أَبا سعيد قال‏:‏ في هذا تقديم معناه التأُخر إِنما هو نُفَلِّقُ

بأَسيافنا هامَ المُلوك القَماقِمِ، ثم قال‏:‏ ها مَنْ لم تَنَلْه رِماحُنا، فها تَنْبِيه‏.‏